Accessibility links

الإنجاب بين الضرورة واللا مبالاة والوعي!


إعلان
إعلان

بلقيس محمد علوان*

لا تكفي النوايا الحسنة لتكون سببًا في أن نجلب للحياة أطفالاً جدد!

ولسنا مسؤولين عن استمرار النوع البشري!

هل نفكر أو نقرر قبل الإنجاب، أم أن الإنجاب نتيجة حتمية للزواج فقط، وطالما كانت الزوجة في مرحلة الخصوبة فستظل تقدم للحياة مولودًا كل عام أو عامين؟

وعلى كل من بدأ حياته الزوجية، أطرح سؤالًا: هل أنت جاهز/ ة للأبوة والأمومة؟، هل تعون ما الذي يترتب على الإنجاب، أو ما الذي يتطلب الإنجاب؟

لعل هذه التساؤلات مدخل مناسب لفتح موضوع ربما يتصادم مع أفكار ومعتقدات وأنماط فكرية لا بد من مراجعتها.

 لم يطلب أولادنا أن يأتوا للحياة، لم يقدموا طلبًا، ولم يختارونا آباءً وأمهات، وسنظل مفروضين عليهم مدى الحياة.

على مر العصور منذ المجتمعات الرعوية والزراعية، وصولاً إلى المجتمعات الحديثة، لم ينفصل الإنجاب عن الضرورة التي شكّلته تاريخيًّا وأعطته قيمته، ولا شكّ في أنّ غريزة الحياة ما زالت موجودة في هذا الفعل، أي الوظيفة الطبيعية (حفظ النوع واستمرار البقاء)، لكنّ هذه الغريزة لا بدّ لها من أنْ ترتقي مع ارتقاء الوعي الإنساني، وبعبارة أخرى لا بد من التفكير في المسؤوليات المترتبة على الإنجاب، المسؤولية المادية والمعنوية، والاستعداد لتحمل تبعات هذا الفعل، فما أيسر الإنجاب وما أصعب التربية، فنحن نبدأ تربية أبنائنا بتعلم التربية بهم وفيهم، وكلٌّ حسب وجهة نظره، وحسب ما يعتقد أن هذا هو الصح، ومن المؤسف أننا نتعلم في الحياة وندرس ونتدرب على أداء أعمالنا ومهامنا، ومهننا، لكننا لا نتعلم كيف نكون آباء وأمهات صالحين، ونترك ذلك في أحسن الظروف للتجربة والخطأ، وأكاد أجزم أن هذا آخر ما يفكر فيه الزوجان قبل بدء حياتهم الزوجية غالبًا، إذ ينشغل الزوج بالاستعداد والتحضير وتخيل الحياة الجديدة بكل تفاصيلها، وتركّز الزوجة على الاستعداد والتحضير والعناية بالبشرة وإتقان الطبخ وتعلم فنون الماكياج، أما الإنجاب فنتيجة طبيعية بالنسبة للغالبية العظمى من الأسر في بلادنا، وخصوصًا في الريف والذي تسكنه الكتلة السكانية الأكبر.

في تقديري أصبح التفكير وتقرير تنظيم الإنجاب أمرًا حتميًّا مع تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن جراء سنوات الحرب، وما أفرزته من تراجع وتدهور لكل المؤشرات السكانية في الصحة والتعليم ومستوى دخل الفرد وفرص العمل، والإصحاح البيئي، وكل مناحي الحياة، وخصوصًا مع تنصل الدولة عن مسؤولياتها، فقد توقفت التنمية في اليمن واستمر الإنجاب، وربما يكون معدل الإنجاب قد زاد عمّا كان عليه قبل الحرب.

تنتهج الدول سياسات سكانية لرفع المؤشرات السكانية لمواطنيها، وللموازنة بين معدلات التنمية ومعدلات النمو السكاني، وقد تفرض سياسات سكانية صارمة، مثل سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين منذ العام 1979 للتحكم في معدل النمو السكاني، والتي تعني بأنه لا يسمح للعائلة بإنجاب أكثر من طفل، وتعدلت حاليًّا هذه السياسة، وأصبح مسموح للعائلة الصينية إنجاب أكثر من طفل بعد أن حققت الصين التوازن المطلوب بين معدلات التنمية والنمو السكاني، حتى إنها ستتنازل قريبًا عن صدارة دول العالم في عدد السكان لتحل محلها الهند، وقبل أن يسارع أحد بالاعتراض والقول إنني أدعو لتبني هذه السياسة، لا بد من التوضيح أن لكل بلد ظروفه ومنطلقات رسم سياساته، ومنها ما يتعلق بالسكان وفقًا لمنظومته الثقافية، بما فيها المعتقدات.

لسنوات طويلة كانت القيادة السياسية اليمنية والحكومات المتعاقبة تحذّر من تداعيات الزيادة السكانية ومعدل النمو الأعلى في المنطقة، وتم رسم سياسة سكانية، كما طرحت العديد من السيناريوهات لمسار الوضع السكاني في اليمن، فيها السيناريو المتفائل والواقعي والبطيء، وكل سيناريو يفترض مسارًا معينًا لجهود التنمية ومعدل النمو السكاني، وفي كل السيناريوهات كان تنظيم الأسرة أحد أدوات السياسة السكانية، ولم يكن في الحسبان أبدًا السيناريو الذي نعيشه والذي توقفت فيه كل جهود التنمية، وتأثرت البنية التحتية بشكل كبير، واستمر الإنجاب، وفي الوقت الذي أدت الحرب لمعاناة أكثر من نصف سكان اليمن من انعدام الأمن الغذائي، والذي تفاقم بسبب النزاع في أوكرانيا، ووفقًا لـ “لجنة الإنقاذ الدولية”، فقد ترك الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في السنوات الأخيرة أكثر من نصف السكان بحاجة إلى مساعدات غذائية، في حين أن الانخفاض الحاد في قيمة الريال اليمني جعل الأغذية المستوردة، والنفط، والضروريات الأخرى أكثر تكلفة، وقلّل بشكل كبير من القوة الشرائية للأُسر اليمنيّة، وما زالت معدلات الإنجاب في ارتفاع مستمر.

المعاناة طالت الوضع الاجتماعي، فمعدل الخلافات الأسرية والزوجية في ارتفاع مستمر، فقد أحدثت الحرب شرخًا مجتمعيًّا يزداد اتساعًا بمرور الزمن، على مستوى الأسرة، وعلى مستوى المجتمع، إذ توسعت ظاهرة الطلاق في اليمن بشكلٍ لافت، خصوصًا في السنوات الأخيرة، حيث كان للحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الأثر الرئيس في نشوب المشاكل العائلية بين الزوجين، ومنها ما ينتهي بالطلاق، ويدفع الأبناء في الغالب الثمن، ومع كل هذه التفاصيل المؤلمة ما زالت معدلات الإنجاب في ارتفاع.

 في ظل كل هذه المعطيات، أليس قرار الإنجاب قرارًا يجب أن يدرس بين الزوجين، وبمسؤولية عالية؟ أليس من حق الطفل أن يولد في بيئة مهيأة، وفي ظل أبوين جاهزين لمهام الأبوة والأمومة؟

وما دامت ظروفنا الحالية غير مهيأة، والكثير ممكن يدخلون القفص الذهبي ليسوا جاهزين لأنْ يكونوا آباء وأمهات ماديًّا ومعنويًّا، فقد يكون من العقل والعدل تأجيل قرار الإنجاب والعمل على تهيئة حياة يستحقها من سننجبهم، إذ لا ذنب لهم أن يصلوا لحياة دمرنا مقدراتها لنحمّلهم عبئها لأجيال قادمة، وإذا كانت الدولة في أحسن الظروف فيما لو حل السلام في اليمن ستكون لها أولويات تفرضها فترات ما بعد الحرب، فليس أقل من أن نضع لأنفسنا خطة تتعلق بالإنجاب، تقنينًا أو تأجيلًا، وللأسف الشديد فإن الغالبية العظمى من السكان لا يصلهم هذا الحديث، وهذا يضاعف مسؤوليتنا في محاولة الوصول إليهم بالتوعية، فالواقع يقول خلاف كل المقولات التي تدعو للإنجاب وتشجِّع عليه، والتي غالبًا ما تُفهم وتفسَّر خطًأ، وخصوصًا الدينية منها، والنوعية أهم من الكثرة، والكثرة تحدٍّ غير منصف لأفراد عجزوا عن توفير أساسيات الحياة لمن يعولون، وتظل المعركة الكبرى هي معركة الوعي والمسؤولية. 

* أكاديمية وكاتبة يمنية.

   
 
إعلان

تعليقات