Accessibility links

الأغنيةُ اليمنية: قراءة في عيدها وخصوصيتها


إعلان
إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي
على الرغم من الظروف القاسية التي يعيشها اليمن جراء الحرب المستعرة هناك منذ أكثر من ست سنوات، إلا أنّ اليمنيين تفاعلوا بشكلٍ واسعٍ مع مبادرة إطلاق الأول من يوليو (تموز) من كلّ عام عيدًا للأغنية اليمنية. وشهد الاحتفاء بعيدها الأول زخمًا، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض الفعاليات الرسمية والشعبية، بالإضافة إلى حضورٍ لافت من الفنانين والمهتمين بالأغنية اليمنية؛ باعتبارها جزءًا أصيلاً من هُوية اليمني، وعاملًا أساسيًّا في تماسك النسيج الاجتماعي للبلد.

 

النزاري: يوم الأغنية اليمنية لكلّ اليمنيين
مبادرة (يوم الأغنية اليمنية)، التي أطلقها فنانون وناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، لاقت زخمًا كبيرًا لم يكن متوقعًا، حسب حديث واحد ممن أطلقوا المبادرة، وهو لؤي النزاري، الذي أشار في حديث لـ”اليمني الأميركي”، إلى أنّ «الفكرة كانت نتاجًا للعديد من النقاشات مع الكثير من الفنانين حول مستقبل الأغنية اليمنية، وأتت في هذا التوقيت؛ لأننا أدركنا أننا قد تأخرنا كثيرًا في إطلاق هذا اليوم»، ويلفت (النزاري) إلى أنّ يوم الأغنية لا يمكنُ اختزاله في شخصٍ واحدٍ إطلاقًا، أو حتى في عدة أشخاص؛ لأنه يوم لكلّ اليمنيين، ويُمثِّل كل يمني، حدّ تعبيره.
حول سؤالنا إذا ما كان الاحتفال بالأغنية اليمنية في يومٍ محدد ضرورة أم ترفًا، يجيب النزاري قائلاً: «كانت ضرورة حتمية من أجل الحفاظ على الأغنية اليمنية التي تعاني من سرقة ألحانها وكلماتها… وكذلك من استيراد الأغاني الأجنبية والاهتمام بها أكثر من الأغنية اليمنية، كما أنها تعاني من تضييق بعض الجماعات الدينية المتشددة على مدى عقود».

 

أحمد فتحي: الفنون هي أساس مجتمعنا اليمني والواجهة الحقيقية لليمن وليس الدمار.

الأغنية اليمنية ليست معزولة
الموسيقار اليمني الكبير أحمد فتحي، في حديثٍ لـ “اليمني الأميركي”، يرى أنّ التفاعل المجتمعي الواسع مع المبادرة «دليل على تعطُّش اليمنيين لأنْ يكون هنالك حضور للأغنية اليمنية، ورغبة بأنْ توضع الأغنية اليمنية والثقافة والفنون في قائمة من ضمن اهتمامات الدولة، فالفنون هي أساس مجتمعنا والواجهة الحقيقية للبلد وليس الدمار وهذه اللخبطة التي نعيش فيها».
ويدعو الموسيقار (فتحي) المسؤولين ورجال الأعمال للاستثمار بالفن ووضع الميزانيات اللازمة للإنتاج الفني لتشجيع المبدعين اليمنيين ومساعدتهم في الانطلاق.

ويحكم البعض على الأغنية اليمنية بأنها شبه منعزلة على نفسها في الداخل اليمني، فيما لا يتفق معهم الفنان أحمد فتحي الذي يؤكد «أنّ الأغنية اليمنية ليست محصورة في الداخل، ولكن المشكلة فقط عدم الاهتمام بالمبدعين اليمنيين… وهناك جهود فردية خرجت بالأغنية اليمنية، وهي موجودة في كلّ مكان، فتسمعها في المغرب العربي، وفي المشرق العربي، وفي الشام والجزيرة العربية، وفي كل مكان، ولكن ليس بالقدر الكافي».

وينصحُ بــ«تقديم الدعم المادي والمعنوي للمواهب الفنية الواعدة في البلد؛ لتمكينهم من انتقاء اختياراتهم، ومواكبة التطور في التصوير وخطط التسويق».

ويأملُ «أنْ يأتي العيد الثاني للأغنية اليمنية في العام المقبل بنهضة عملية حقيقية من أجل الخروج بمفاهيم جديدة للأغنية من حيث الدعم، والسند، والمواهب،… إلخ، ثم بعد ذلك يأتي دور التوثيق والأرشفة».

 

عبدالباسط الحارثي: الخطوة الأولى في معالجة الإشكاليات التي تعاني منها الأغنية اليمنية تأتي في فتح معاهد ومراكز متخصصة لدراسة الموسيقا.

 

كثير من المعوقات

فيما أشاد بيوم الأغنية اليمنية، يعتقد الموسيقار عبدالباسط الحارثي، وهو رئيس الفرقة الوطنية للموسيقا في وزارة الثقافة، ونجل الفنان الراحل محمد حمود الحارثي، «أنّ هناك الكثير من المعوقات تمنعُ الأغنية اليمنية من الظهور على الساحة الفنية العربية بشكلٍ يليقُ بعراقتها، أهمها طريقة تقديمها للمستمع، فما زالت ترزح تحت الأداء المتداول منذ ظهورها، وهو العود والإيقاع رغم التقدم التكنولوجي والموسيقي، وانتشار استوديوهات التسجيل والتصوير… إلخ، وكذلك عدم دعمها إعلاميًّا وماديًّا؛ ولهذا ما زالت تُعاني أشد المعاناة على أيدي بعض (المتفننين) في قاعات الأعراس، وما من منقذ!».

وفي حديثٍ لـ”اليمني الأميركي” يعتبِرُ (الحارثي) «أنّ الخطوة الأولى في معالجة الإشكاليات التي تُعاني منها الأغنية اليمنية تأتي بفتح معاهد ومراكز متخصصة لدراسة اللغة العالمية (الموسيقا)، واستقطاب المواهب، واختيار الكلام الممتاز من الشعر الغنائي، وصقل المواهب الشابة الموجودة، ودعم وتشجيع الأصوات الجميلة، والاهتمام الحكومي بهذا المجال».

 

عبدالرحمن الغابري: تتفردُ الأغنية اليمنية بألوانها وإيقاعاتها عن أيّ موسيقا وفنون أخرى تمارسها الشعوب، وهي تتنوعُ كتضاريس بلادها.

 

غناء يمني متنوع وثري

ويمتازُ الغناء اليمني بتنوع ألوانه من الصنعاني إلى الحضرمي، مرورًا بالتهامي، واللحجي، والتعزّي، في تنوع يثري الأغنية اليمنية، وبما يؤكدُ أنّ اليمن موطنًا أصيلاً للغناء، ومركز إشعاع اهتدى بألحانه وقصائده الغنائية الفريدة الكثير من الفنانين العرب.. وقد لمع في سماء الغناء اليمني الكثير من الرواد والعمالقة الذين لا يمكنُ إغفال إسهاماتهم في تطوير الأغنية العربية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الفنان الكبير الراحل أبو بكر سالم بلفقيه، محمد سعد عبدالله، محمد عطروش، وعبدالرحمن الحداد، وغيرهم الكثير ممن سبقهم ورافقهم وجاء بعدهم.

 

علي عبدالرقيب الآنسي: لا يوجد غناء قديم وغناء جديد، والأغنية اليمنية تتجددُ باستمرار.

 

اجترار أغاني الرُّواد

يحرصُ الفنانون اليمنيون الشباب على اجترار أغاني الرُّواد مثل: أيوب طارش، السِّمة، محمد سعد، الآنسي، الحارثي، السنيدار، عبدالباسط عبسي، أحمد بن أحمد قاسم، والمرشدي، وغيرهم – حسب حفيد الفنان الراحل علي بن علي الآنسي، الفنان الصاعد علي عبدالرقيب الآنسي لـ “اليمني الأميركي”، والذي أطلقَ أغنيته الجديدة (سلام يا من) بمناسبة الاحتفال بالعيد الأول للأغنية اليمنية، لكنه يقول: «لا يوجد غناء قديم وغناء جديد، وإنّ الأغنية اليمنية تتجددُ باستمرار، وفي كلّ يوم يظهر فنان مبدع يؤدي الأغاني التراثية بألحانها وزخمها، وهناك من يُجدد فيها ويضيف بعض اللمسات، لكن يظل الجوهر لامعًا».

 

العلاقات الاجتماعية

«الأغنية اليمنية لها الدور الأكبر في ترسيخ العلاقات الاجتماعية، منذ العصور الأولى للتاريخ»، يؤكدُ المصور الفوتوغرافي والصحافي عبدالرحمن الغابري لـ”اليمني الأميركي”، موضحًا «أنّ الأغنية اليمنية، أيضًا، ليست محصورة فقط في تمتين العلاقات البينية في المجتمع اليمني، بل هي أهم عامل ثقافي ومنشط لمجمل النشاطات الإنسانية من بناء وحرث الحقول وجنْيها واستصلاحها وأثناء الفلاحة، وكلّ عمل شاق أو بسيط ترافقه الأغنية بابتكارات نصية وفق اللحظة وطبيعة العمل أو المناسبات بأنواعها، فرائحية أو حزينة، فالأغنية هي التعبير الأمثل عن العلاقات الحسنة بين فئات المجتمع، كما تتفردُ الأغنية اليمنية بألوانها وإيقاعاتها عن أيّ موسيقى وفنون أخرى تمارسها الشعوب، وهي – أي الأغنية اليمنية – تتنوعُ كتضاريس بلادها».

   
 
إعلان

تعليقات