صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
تنفس اليمنيون الصعداء عند هبوط أول طائرة في مدرج مطار صنعاء الدولي في الـ 16 من مايو/ آيار الماضي، بعد أكثر من ستة أعوام من توقف الرحلات من وإلى مطار عاصمة البلد، الذي كان يستقبل عشرات الرحلات التجارية يوميًّا حتى اندلاع الحرب أواخر مارس/ آذار عام 2015.
أنعش استئناف الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء آمال الآلاف من المرضى والمغتربين والعالقين في الخارج بإمكانية السفر والعودة عبر المطار دون الاضطرار لخوض مخاطر السفر عبر طرق برية وعرة وغير آمنة.
استئناف هذه الرحلات جاء وفقًا للهدنة الأممية، التي وقعها أطراف الصراع مطلع أبريل/ نيسان، وجُدّدت مطلع يونيو/ حزيران لشهرين إضافيين.
وينص أحد بنود الهدنة، في ما يتعلق برفع الحصار المفروض على المطار من قِبل “التحالف العربي لدعم الشرعية” منذ 9 أغسطس/ آب 2016، بالسماح برحلتين جويتين تجاريتين أسبوعيًّا إلى العاصمتين المصرية والأردنية.
غادر مطار صنعاء منذ بدء الهدنة، 2313 مسافرًا في عشر رحلات تجارية عبر الخطوط الجوية اليمنية إلى عمّان، ورحلة وحيدة إلى القاهرة، فيما استقبل المطار 2089 مسافرًا منذ 16 مايو/ آيار إلى 22 يونيو الجاري.
تمكن المواطن علي محمد من السفر مع والديه عبر مطار صنعاء بعد أربع سنوات من توصية الأطباء بضرورة نقلهم لتلقي العلاج في الخارج، حيث يعاني والده (79 عامًا) من تضخم البروستات، وتعاني والدته (68 عامًا) من مضاعفات مرضي السكري والضغط.
وقال لـ “اليمني الأميركي”: «فرحتي لا توصف كوني حصلت على فرصة لإنقاذ والديّ من آلام المرض بالسفر عبر مطار صنعاء؛ لأن حالتيهما الصحية لم تكونا تسمحان بنقلهما برًّا إلى عدن».
رئيس اللجنة الطبية العليا في حكومة صنعاء: غادر مطار صنعاء 800 مريض من أصل 4 آلاف عندهم القدرة على السفر.
32 رحلة لا تكفي لأكثر من 30 ألف مريض على قائمة السفر.
سعر التذاكر
ويشير (علي) إلى أن السفر كان مريحًا عبر مطار صنعاء على الرغم من ارتفاع سعر تذكرة السفر على طيران اليمنية، والذي يتراوح من 670 إلى 700 دولار للفرد الواحد، معربًا عن حزنه لحصر الرحلات إلى الأردن فقط، والذي مثّل عائقًا كبيرًا أمام رحلتهم إلى بلد آخر، حيث يستغرق الحصول على تأشيرة من عمّان إلى بلد آخر مدة طويلة، حد قوله.
فرحة المغتربين والعالقين من اليمنيين في الخارج بعودة الرحلات إلى مطار صنعاء لا تقل عن فرحة اليمنيين في الداخل، وإن اختلفت معاناتهم، حيث بادر قحطان القحطان، مغترب يمني في الأردن، إلى حجز تذكرة للعودة إلى البلد لزيارة أسرته بعد انقطاع لخمسة أعوام.
ويقول قحطان لـ”اليمني الأميركي”: «لم تنقطع رحلاتي لليمن قبل اندلاع الحرب، لكن المعاناة التي تكبدتها في عودتي الأخيرة عبر مطار عدن، وما رافقها من صعوبات ومخاطر في التنقل من عدن إلى صنعاء جعلتني أحجم عن تكرارها».
فرصة السفر ضئيلة
بالإضافة إلى متاعب السفر عبر الطرق البرية بين المحافظات اليمنية بسبب وعورتها، يتعرض العشرات من المسافرين اليمنيين للابتزاز والتقطع، والتي كان أشهرها حادثة مقتل المغترب اليمني العائد من الولايات المتحدة الأميركية، الشاب عبدالملك السنباني، في نقطة أمنية تابعة لقوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” الموالية للتحالف بمحافظة لحج، جنوبي البلد مطلع سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، الأمر الذي حرم الكثير من المغتربين من اتخاذ قرار العودة إلى الوطن.
منذ إعلان الهدنة، ينتظر المواطن، أحمد محمد علي، من أهالي محافظة عمران، فرصة السفر عبر مطار صنعاء لنقل والده الذي يحتاج منذ سبعة أشهر إلى تدخل جراحي في القلب، بعد أن اضطر لبيع سيارته واستدانة أموال طائلة لتأمين تكاليف الرحلة والعلاج، إلا أن فرصة السفر ضئيلة بالنسبة لوالد أحمد في ظل قلة الرحلات وعدم انتظامها.
ويوضح أحمد لـ”اليمني الأميركي”: «خلال ثلاثة أشهر من الهدنة وأنا أسعى من مكتب سياحي إلى آخر لحجز تذكرتيّ سفر دونما طائل.. كل المقاعد محجوزة مسبقًا، فيما تتدهور حالة والدي الصحية».
مدير مطار صنعاء الدولي، خالد الشايف: لا يوجد أيّ بوادر لتسيير رحلات جديدة إلى القاهرة.
الحرب تسببت بتوقف 50 رحلة يومية إلى مطار صنعاء الدولي.
32 رحلة
32 رحلة تضمنتها الهدنة الأممية المعلنة لمدة أربعة أشهر، لا تكفي لنقل أكثر من 30 ألف من المرضى المسجلين على قائمة السفر عبر مطار صنعاء، ويعانون من أمراض مزمنة وخطيرة مثل: السرطان، الفشل الكلوي، فيروسات الكبد وأمراض الدم… توفي منهم أكثر من 400 شخص خلال عامين، حسب رئيس اللجنة الطبية العليا التابعة لحكومة صنعاء “الحوثيين”، مطهر درويش، متحدثًا لـ”اليمني الأميركي”.
وردًّا على سؤالنا، عن الآلية التي يتم وفقها اختيار المرضى المسافرين، يوضح رئيس اللجنة الطبية العليا، أن الأولوية للحالات المستعصية من مصابي السرطانات، وتشوهات الأطفال، وأمراض القلب والنساء وكبار السن.
ويشير درويش، إلى أن عدد المرضى الذين تمكنوا من السفر خلال الرحلات التي تمت من مطار صنعاء [11 رحلة تمت من أصل 24 رحلة مفترضة خلال الثلاثة الأشهر الماضية وفق الهدنة]، 800 مريض فقط من أصل أكثر من أربعة آلاف مريض لديهم القدرة حاليًّا على السفر على نفقاتهم الخاصة، بينما ينتظر الآلاف من المرضى الذين لا يملكون نفقات السفر والعلاج.
ويؤكد درويش، أن اللجنة الطبية على تواصل دائم مع الأمم المتحدة لوضعها في صورة الوضع الإنساني الكارثي الذي تمر به البلد نتيجة الحرب، «إلا أننا نلاحظ تراخيًا من المنظمة الدولية في التفاعل مع نداءاتنا المتكررة ولا نلقى ردًّا».
الأمم المتحدة
«دور الأمم المتحدة هو دور الوسيط في ما يتعلق بالهدنة، لكنها للأسف لم تفِ بالتزاماتها للضغط على التحالف لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص تسيير الرحلات»، بحسب حديث مدير مطار صنعاء الدولي، خالد الشايف، لـ “اليمني الأميركي”.
وردًّا على سؤالنا، عن أسباب عرقلة مسار الرحلات إلى القاهرة، وما إذا كان هناك انفراج في الأيام القليلة المقبلة، أكد الشايف، أنه «لا يوجد حاليًّا أي بوادر لتسيير رحلات إلى القاهرة، مع أنه لا يوجد أيّ مبرر لعرقلتها».
ويُشير خالد الشايف، إلى أن المطار جاهز لاستقبال جميع الرحلات المتفق عليها، وحتى الـ 50 رحلة اليومية التي كان يستقبلها قبل الحرب، حد قوله.
فتح مطار صنعاء الدولي أمام المسافرين هو استحقاق إنساني تنص عليه القوانين الدولية التي تُجرّم استخدام المطارات والموانئ والطرق لأغراض عسكرية، علاوة على أن إجراءات الحظر على المطار لا تستهدف جماعة معينة، وإنما تضر بما يقارب 80% من اليمنيين الذين يسكنون مناطق سيطرة حكومة صنعاء “الحوثيين”؛ لذا تتحمل الأمم المتحدة الراعية للهدنة مسؤولية الضغط لاستكمال الرحلات المنصوص عليها، والدفع نحو رفع الحظر الشامل على المطار، وفتح جميع الطرقات بين المحافظات اليمنية، وعلى أطراف الصراع التجاوب مع أيّ جهود للتخفيف من معاناة اليمنيين، واستثمار الهدنة كمحطة للذهاب نحو سلام دائم.
تصوير: خالد الثور
تعليقات