في هذا الشهر، وقبل 32 عاماً، اعتُقلت أثناء اعتصامي وإغلاقي لمدخل السفارة الإسرائيلية في واشنطن. وكانت السفارة تستضيف أمسية في ذكرى الاحتفاء بالدكتور مارتن لوثر كينج الابن، المناضل الشهير في سبيل الحقوق المدنية في الولايات المتحدة خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وحين أنظر إلى الوراء إلى ما فعلناه في ذاك الوقت، أشعر بالثقة أنه كان طريقة صحيحة لنتذكر بها تركة الدكتور كينج. فقد كان هناك عدد من المخاوف التي دفعتنا إلى الاحتجاج. في المقام الأول، كنا في بداية أول انتفاضة فلسطينية شهدت خروج عشرات الآلاف من الشبان الفلسطينيين وليس في أيديهم إلا الحجارة ليواجهوا قوات الاحتلال الإسرائيلية. ورداً على احتجاجات الشباب وما صاحبها من مقاطعة فلسطينية على امتداد البلاد للمنتجات الإسرائيلية، اتخذ وزير الدفاع الإسرائيلي في ذاك الوقت، إسحاق رابين، إجراءات صارمة مستخدماً ما أُطلق عليه «القبضة الحديدية». وفرض حظر تجول صارم وهدم منازل وطرد عشرات الفلسطينيين، وأمر جنوده أن «يكسروا أذرع» المحتجين «ليلقنوهم درساً».
وكان من المحير أن ترى السفارة الإسرائيلية، رغم تنفيذ هذا القمع الوحشي، أنه من الملائم الاحتفال بيوم مارتن لوثر كينج مع الإعلان في إسرائيل عن أنهم سيطلقون اسم مارتن لوثر كينج على شارع في القدس. ومما فاقم ألمي في ذاك الوقت أن «إسرائيل شاحاك»، رئيس الرابطة الإسرائيلية للحقوق المدنية والإنسانية، أخبرني أن أشجار الزيتون التي عمرها قرن والتي زرعها الفلسطينيون على امتداد هذا الشارع، اقتلعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية وسرقتها من ملاك الأراضي الفلسطينية. وكان هذا أكثر مما أطيق.
ولأنني في ذاك الوقت، كنت عضواً معيناً في لجنة الاحتفال بيوم ميلاد مارتن لوثر كينج في واشنطن، نقلت قلقي إلى الزملاء في اللجنة، وطلبت منهم أن يشاركوني الاحتجاج ضد ما اتفق عليه عدد منهم بأنه إهانة إسرائيلية لتركة كينج ولا يتسق مع معنى الاحتفال. واحتج معي عدد من أعضاء اللجنة واعتُقلوا معي. وكانت اللافتة التي رفعناها هي «الدكتور كينج علمنا اللاعنف والعدل وليس الاحتلال والقمع» وبعد إغلاق البوابة الأمامية للسفارة لبعض الوقت، اعتُقلتا وعُرضنا على قاض ووجهت إلينا اتهامات وأفرج عنا. ثم أسقطت الاتهامات فيما بعد لأن احتجاجنا اعتُبر تعبيراً مشروعاً عن الرأي السياسي.
إنني أذكر هذه القصة وأشعر بالفخر باختيار هذه الطريقة لإحياء ذكرى الدكتور «كينج» لأنني مثل كثيرين آخرين ممن ناضلوا، كي يكون يوم مولد «كينج» عطلة قومية يجب الاحتفال بها، كنت قلقاً أنه منذ العام الأول تقريباً، لم تنصف احتفالاتنا ذاك اليوم ولا الرجل أو تركته. وبدلاً من الاحتفاء بالمقاتل العنيد من أجل العدالة العرقية والاقتصادية ومنتقد التوجه العسكري الأميركي وفساد وجشع النظام السياسي الاقتصادي، أصبح «كينج» الذي نستعيد ذكراه صورة باهتة وشائهة عن الأصل.
ومن المهم أن نشير إلى أن أكثر من نصف الأميركيين الحاليين لم يعاصروا «كينج» في حياته. ولا يتذكرون طاولات الطعام المنعزلة للسود، ولا إطلاق الكلاب ومدافع المياه على الأطفال لمجرد احتجاجهم من أجل المساواة. ولا يتذكرون الخطاب العنصري البغيض الذي استخدمه أعضاء من مجلس الشيوخ وحكام ولايات وآخرين، من أجل الإبقاء على نظام الفصل العنصري القديم الذي سعى «كينج» ورفاقه إلى تدميره.
ما كنا نأمل فيه حينذاك وما زلنا، هو أن يكون يوم «كينج» من تلك الأيام التي نستعيد فيها ذكريات تاريخنا العنصري، ونتذكر تضحيات «كينج» وكثيرين آخرين في مساعيهم لتحقيق التغيير المطلوب وأن نلزم أنفسنا، عند الضرورة، باستخدام وسائل اللاعنف التي استخدمها «كينج» للتصدي للظلم والفقر والحرب. وبالتأكيد، لا يتعين الإساءة إلى «كينج» وتركته من الذين مارسوا السياسات نفسها التي وهب حياته للتصدي لها. ولهذا أعتز اليوم بما فعلناه قبل 32 عاماً، وأعتقد أن «كينج» ربما كان سيتباهى بنا أيضاً.
ولذا، في هذا العام، وفي يوم مارتن لوثر كينج، هناك بعض الأمور التي يتعين علينا القيام بها. أولاً، يتعين أن نسعى لمعرفة المزيد عن أميركا في فترة خمسينيات القرن الماضي، وهو العالم الذي وهب «كينج» حياته للكفاح من أجل تغييره. ومن المهم أيضاً أن نحاول فهم ما تغير وما لم يتغير، وتقييم خطر احتمال تقهقرنا في المجالات العرقية والاقتصادية. ثم يتعين علينا إلقاء نظرة على السياسة الدولية والأميركية الخارجية، ومحاولة فهم كيف كان من الممكن أن يعالجها «كينج» في ظل التحديات الكثيرة التي نواجهها. ثم ننتقي أخيراً قضية واحدة من قضايا الظلم الاقتصادي والاجتماعي والعرقي والبيئي، ثم نقرر إنفاق عام للتصدي لها لتحقيق العدل فيها. أعتقد أن هذه هي الطريقة التي ينبغي بها الاحتفاء بـ«كينج»
تعليقات