جيمس زغبي*
كان رد الفعل الأميركي على إطلاق إيران الانتقامي المسيّرات والصواريخ ضد إسرائيل متوقعًا وغير مفيد. فالمزيد من العقوبات ضد إيران، والمزيد من الأسلحة لإسرائيل، مع الدعوة إلى وقف التصعيد، كان في أفضل الأحوال متناقضًا، وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات القائمة، أما التعليقات من الصحافة الإسرائيلية والعربية وصناع القرار السياسي و«المحللين» في الولايات المتحدة والغرب فقد كانت أكثر إزعاجًا.
فقد احتفل بعض العرب باستعراض إيران القوة والردع، وأشاد الإسرائيليون بفعالية الترسانة الدفاعية التي أحبطت هجوم إيران الذي كان متوقعًا بشكل جيد. وكانت لهجة تهنئة مماثلة من جانب «الصقور» الغربيين، من «اليمين» و«اليسار»، مرتفعة في البداية، ثم استهانت بالهجوم الإيراني، بينما أشارت إلى أن الرد الفعال الوحيد كان الانتقام الهائل من جانب إسرائيل «لتحييد» إيران، ولن يؤدي الرد المحدود، إلا إلى تشجيع إيران على الهجوم مرة أخرى.. مثل هذه الأفكار هي حماقة قصيرة النظر وخطيرة تمامًا.. والحقيقة، رغم رغبة بعضهم، هي أنه لن تُهزم إسرائيل ولا إيران.
إن تكاليف مثل هذه المهمة الحمقاء من شأنها أن تدمر المنطقة بأكملها، ويمكن لترساناتها وحلفائها، على الصعيدين العالمي والإقليمي، أن يعيثوا فسادًا في عدد لا يحصى من الأرواح، ويتسببوا في دمار اقتصادي في دول المشرق العربي والخليج العربي.
إن الشرق الأوسط الكبير يحتاج إلى السلام والاستقرار، وليس المزيد من الصراع.. والمزيد من الأسلحة والمواقف العدائية لن تساعد.
إذا تعلمنا أي شيء من التاريخ، فهو أن خصوم المنطقة لن يُهزموا، فالصراع إما يشجعهم، أو يحول الأسباب الجذرية لصراعاتهم إلى أشكال جديدة أكثر ضراوة. بعد عقود من السياسات الأميركية والغربية المضللة، تواجه المنطقة صراعات منفصلة عدة، ولكنها مترابطة متجذرة في الظروف الخاصة بكل دولة، ولكنها تحركها المجموعة نفسها من الجهات الخارجية: إيران وحلفاؤها، أو محور الولايات المتحدة/ إسرائيل وحلفاؤها.
إن إصرار الولايات المتحدة على طريق الدعم الذي لا جدال فيه لإسرائيل، ورفض تحدي إسرائيل أو التعامل بشكل بناء مع إيران يؤدي إلى ما نحن عليه اليوم: الإبادة الجماعية في غزة، وإسرائيل، و«حزب الله» على شفا الحرب، وسوريا لا تزال تترنح من آثار الحرب الأهلية، وإيران متورطة في صراعات متعددة، بما في ذلك في ليبيا والسودان. استجابة لافتقار سياسة الولايات المتحدة إلى التماسك، وموقفها الضعيف في الشؤون العالمية، وصعود الصين ومحور الصين وروسيا، والتهديدات الإقليمية المستمرة، اضطرت العديد من الحكومات العربية إلى العمل بمفردها لحماية مصالحها من خلال السعي لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين.
إنهم يطورون علاقاتهم الخاصة مع إيران، ويعملون مع الصين وروسيا، بينما يواصلون علاقاتهم مع الولايات المتحدة، ويقدمون مبادرات تجاه إسرائيل. والآن، وفي ظل الحرب المدمرة في غزة ومخاطر الصراع بين إسرائيل وإيران، بدلاً من إيجاد طريقة بناءة للمضي قدمًا، عادت الولايات المتحدة إلى سياسات الماضي الفاشلة. عندما كانت إدارة أوباما تستخدم العقوبات ورأسمالها الدبلوماسي للتفاوض على صفقة أسلحة نووية مع إيران، كنت أدعو إلى اتباع مسار مختلف. لماذا لا نتعامل مع التدخل الإيراني في المنطقة من خلال العمل مع نفس أعضاء (مجموعة 5+1) في الأمم المتحدة من أجل إيجاد إطار أمني إقليمي على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي كانت سائدة وعملت على استقرار أوروبا، شرقها وغربها، خلال الحرب الباردة.
وكانت «مجموعة دراسة العراق» قد طرحت هذه الفكرة لأول مرة في عام 2006، حيث دعت إلى تشكيل مجموعة دعم دولية تجمع جيران العراق مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لمعالجة التداعيات الإقليمية الناجمة عن حرب العراق.
(مجموعة دراسة العراق هي لجنة مكونة من عشرة أشخاص من الحزبين الأميركيين الجمهوري والديمقراطي عُينت في 15 مارس، 2006، من قِبل الكونجرس في الولايات المتحدة، بتقييم الوضع في العراق والحرب على العراق التي تقودها الولايات المتحدة وتقديم توصيات السياسة العامة) ينبغي لنا الآن أن نبحث هذه الفكرة، التي تم تجاهلها آنذاك، ثمة قضايا حاسمة تؤثر على الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واستمرار التدخل الإقليمي الإيراني، والحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية، ومنطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، والضمانات الأمنية وميثاق عدم الاعتداء، وتعزيز فوائد الاستثمار والتجارة الإقليمية.. وكما حدث في مؤتمر مدريد للسلام، فإن نسخة الشرق الأوسط من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ستجمع بين الدول العربية، وإيران، وتركيا، وإسرائيل تحت رعاية أعضاء مجلس الأمن.
ستحتاج بعض البلدان إلى الضغط من أجل المشاركة، وتقديم التنازلات وتقديم الحوافز. وعلى عكس مؤتمر مدريد، لا ينبغي أن ينتهي الضغط عندما تجتمع الأطراف، بل يجب أن يستمر حتى يتم التوصل إلى اتفاقات.
يقول صنّاع السياسات في الولايات المتحدة إن مثل هذه الفكرة لن تنجح، مشيرين إلى هذه الدولة أو تلك التي لن تشارك. وقد قيل الشيء نفسه عن مدريد. مثل هذا الرد يشجع على الكسل ويفتقر إلى الخيال. وهذا أيضًا أمر أحمق وخطير، لأن البديل هو الطريق إلى الحرب الدائمة.
*رئيس المعهد العربي الأميركي – واشنطن
تعليقات