عبدالله الصعفاني*
إذا قالوا لك بأن ما نعيشه في اليمن من عدوان خارجي واحتراب داخلي متعدد الصور هو مجرد سبع سنين عجاف… قل لهم هي عجاف نعم، ولكن أين هي نظرية يوسف في الاقتصاد..؟ ومن باع إيمان اليمنيين وحكمتهم وفقههم.. ولماذا يتفوق السياسي اليمني على امرأة العزيز في الكيد، وأين يوسف الذي ما كان له أن يأخذ أخاه في دين الملك إلا بسبب وجيه يختفي فيه صواع الملك في عملية حرص على منطق العدالة ولو في ظاهرها..؟
* قل لهم بأنك لا ترى غير إخوة يوسف وهم يكيدون.. تحرقهم نار الغيرة من أخيهم.. يقترحون قتله قبل أن يلقوه في غيابة الجب، ثم لا يسلم حتى الذئب من كذبهم ومكرهم..!
أما الأدهى والأمرّ عند مقارنة فجور إخوة يوسف بفجور بعض اليمنيين تجاه أبناء جلدتهم، فهو أن إخوة يوسف وهم يكذبون جاءوا أباهم عشاء يبكون.. هذا يعني أن البادئ والمجيب، الصالح والطالح.. كانوا يومها يهتمون بالتبرير، ويخجلون من الفعل القبيح.
وآه على حمرة الخجل عندما تختفي من وجوه كل من عبث ويعبث باليمن وناسه ومقدّراته، ولا يستحي أو حتى يحسن الكذبة احترامًا لعقول الناس.
* ما سبق مجرد سطر من عنوان كتاب التفاهة السياسية التي ضاق بها الشعب اليمني ذرعًا، فصار يكرر السؤال الحراق.. هل من نهاية لهذه الحرب، ومتى يعم السلام وضرورة الإطعام من الجوع والأمان من الخوف؟ وهل يتراجع الفرقاء عن التمادي في برنامج العبث بالأرواح، وقطع الأرزاق، وتجويع البطون، وتمزيق البلاد على حساب وحدة اليمن واستقراره وسِلمه الأهلي..؟
* المثير للغضب أن لا أحد يُقنع الآخرين، أو حتى يبكي ليبرر القتل، ولا أحد يستحي من انقطاع الأرزاق وتردِّي الأوضاع والخدمات حتى صار المواطنون البسطاء في تهامة أو عدن ومناطق حارة أخرى يتضورون لهيبًا وجوعًا، يجمعون بين العسرين والثلاثة والأربعة، ولا من يهتم باجتراح حلول إنسانية لانطفاءات الكهرباء، وسعير فواتير لاسعة تحولُ بين المواطنين وبين حقهم الطبيعي في تشغيل مكيف أو تدوير مروحة.
* قد ينبري فاسد أو متكسب بالباطل، أو حتى منظِّرٌ للعبث بمصير اليمن سلامًا ووحدةً وإطعامًا من جوع، وأمانًا من خوف، فيقول لك: ولكن فلان العابث شوهد وهو يبكي، وهنا سارع إلى طلب شاهدين، فإن حضر الشاهدان فلا تنسى أن التماسيح هي الأخرى تطلق دموعها عقب التهامها للفريسة، والمسؤولية هنا على راصديّ حياة الحيوانات الزاحفة والطائرة والراجلة..!
* واليوم وأقطاب الصراع اليمني اليمني الملفوف بتدخلات الأغراب، ومعهم ممثل الأمم المتحدة يتحدثون عن الهدنة وتجديد الهدنة، أو فتح معبر هنا أو هناك، يجدر القول:
هل هذا هو كل ما تمتلكه قوى الصراع، وتسعى لتقديمه لشعب يعاني في كل شيء..؟ وإلى متى يُبقون على الجروح مفتوحة، ولا يقدمون لنا إذا نطقوا إلا غريب التصريحات المقلية شديدة الافتراض لسذاجة الناس وغبائهم..؟
هل يمكن نسيان من يتسابقون إلى أنشودة (لن ترى الدنيا على أرضي وصيًّا)، فيما الارتهان للوصاية الخارجية يتلبسهم كشيطان غارق في الكفر.
* الشعب اليمني يعاني من جروح الفقر، وسوء التغذية، ورداءة الخدمات الصحية، وزيادة رقعة المتسولين، وللجميع أن يتخيَّلوا عدد من يعانون في بيوتهم، ويرون التستر خلفها قبورًا للأسرار، وأهون من أن يطلبوا الناس إلحافًا، أو حتى خفية، فيما المسؤولون عن هذه الكوارث الإنسانية لا يكلفون أنفسهم حتى عناء التبرير الذي يحترم العقول، ويشير إلى إحساس إيجابي من أي نوع.
* أما أدوات العدوان على اليمن المهللين لاحتراب أبنائه، المصفقين لتنامي أوجاعه، المخططين لتمزيقه، فإن العنجهية والغطرسة تصل بهم درجة الترويج الغريب بأن أوجاع اليمنيين ليست من مخططات الخارج، وليست من أفعاله وحصاد نفوسهم الأمارة بالسوء، ولسان حال أولئك المزيد من العدوانية والعبط القائل (سأضربك ولكن لا تقول أي).
والشواهد كثيرة على تنمر الخارج وعدوانيته التي لم تستثنِ حتى المصنف حليفًا له، ضاربًا عرض الحائط بما يروِّجونه عمّا يسمونه القيم الديمقراطية والإنسانية للعالم الحر.
* وتحت هذا الشعار وغيره يسوقون الحكايات عن عدالتهم ورفقهم بالإنسان والحيوان، مثل قيامهم بمعاقبة أشخاص بتهمة تعنيف قطة، في مغالطة فاضحة تكشفها عقيدتهم التي تعتبر قتل الشعوب المنكوبة بكبارها أحد أشكال الفخر الوطني، فيما أبناء اليمن يتجرعون المعاناة والألم بمسبباته المختلفة، ولا من يهتم.
والمؤسف هو انقسام النُّخب الثقافية اليمنية، وانسداد أفقها في التمتع بالقدر المناسب من الشفافية تجاه خطأ احتكام كل طرف سياسي وجهوي إلى قانونه الخاص.
* ولو تمتعنا بقدر، ولو بسيط من الشفافية، لأعلنّا صراحة بأن المجتمع اليمني متسامح ويخاف الله، لكن ما يحدث من النفخ التمزيقي الشطري والمذهبي والطائفي هو عملية بحث مستمر عن العنف والقطيعة وإشعال الحرائق.
* إن أزمة اليمن هي في أحزابه، وفي قياداته تحديدًا، الذين يتعمدون عدم السماع لآهات وزفرات المظلومين، واقعين تحت تأثير التكسب المادي، حيث أموال الارتزاق والوصاية تعمي النفوس المريضة التي تتجاوز هلعها المادي إلى تكريس الحقن الجهوي والطائفي المصنوع والمموَّل..!
* وأما الأسئلة المتجددة الحائرة، فهي إلى متى سيواصل أصحاب القرار مشوارهم البائس الذي لا يرقبون به في يمني إلاًّ ولا ذمة… ومتى يكون عندنا رجل ثلج يعيش بلا قلب، كما تقول الأسطورة، فيظهر من العدم في الأوقات الصعبة، ويكون على يديه الحل، وليس التجميد؟
ثم ما الذي تبقَّى لنا من الحكمة اليمانية التي فاخرنا بها على امتداد 14 قرنًا، ثم أضعناها في سوق حاطبيّ الليل.
وأخيرًا..
هل من سبيل لأن نجعل اليمن مكانًا صالحًا للعفو والتسامح والحوار..؟
لن نقنط من رحمة الله..
*كاتب يمني
تعليقات