صنعاء – “اليمني الأميركي”:
شهدت صنعاء خلال الفترة 8 – 13 أبريل/ نيسان جولة مفاوضات بين الحوثيين والسعودية، ورأس الجانب السعودي سفير المملكة لدى اليمن، محمد آل جابر، في أول زيارة معلنة لوفد سعودي لصنعاء منذ بدء الحرب.
جاء ذلك بعد مشاورات (سرية) استمرت شهورًا في مسقط بين الجانبين، وقطعت تلك المفاوضات شوطًا كبيرًا بشأن كثير من التفاهمات، لتمثل مفاوضات صنعاء في رمضان أول جولة مفاوضات رسمية معلنة بين الجانبين.
خلال مفاوضات الحوثيين مع السعودية في مسقط كانت المملكة تجري مفاوضات مع إيران في عُمان والعراق بين عامي 2021 و2022، وتُوِّجت بتوقيع اتفاق استئناف العلاقات الثنائية برعاية صينية في العاشر من مارس/ أذار 2021م.
ووفق ورقة لمركز المخا للدراسات الاستراتيجية فقد «وفرَّ الاتفاق قوة دفع كبيرة للمفاوضات بين السعودية وجماعة الحوثي»، وحسب الورقة «كانت السُّلطات السعودية قد هيأت مجلس القيادة الرئاسي الذي بدا معزولًا تمامًا عن تلك المفاوضات، وفي حال انتظار لنتائجها، مِن خلال لقاء جمع وزير الدفاع السعودي برئيس وأعضاء المجلس، لوضع المجلس أمام بعض ما يجري مِن مفاوضات، وأنَّ الحوثيين وافقوا على تمديد الهدنة في البلاد، وأنَّ الهدنة ستكون موسَّعة، ولمدة مبدئية تمتد إلى (6) أشهر، وتشمل عدَّة بنود، بينها إعادة تصدير النَّفط، وصرف رواتب الموظفين في أرجاء اليمن، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إضافة إلى فتح مطار صنعاء الدُّولي لوجهات دولية أخرى».
بناء على ذلك تم الإعلان عن زيارة وفد سعودي بمعية وفد عماني إلى صنعاء، وشهدت العاصمة اليمنية مفاوضات رسمية بين الجانبين.
من خلال ما ساد الأجواء في الرياض قبيل زيارة صنعاء، فقد فهم المتابعون أن هدف الزيارة لصنعاء هو استكمال الموافقة والتعديل على ما تم التفاهم عليه في مسقط، وهو تصور التسوية الشاملة، وبالتالي فمهمة الوفد السعودي في صنعاء، كانت استكمال وضع اللمسات الأخيرة، والاتفاق على زيارة وفد من جماعة الحوثيين إلى السعودية للتوقيع على الاتفاق في أواخر شهر رمضان وفي مكة المكرمة، وفق ما أوضحته عدة مصادر.
خلال زيارة الوفد السعودي لصنعاء، وفي أجواء إيجابية سادت الأيام الأولى، نشر سفير المملكة تغريدة أشار فيها إلى أن زيارته لصنعاء تعد “استمرارًا لجهود المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية، ودعمًا للمبادرة التي قدمتها المملكة في 2021″، “أزور صنعاء بهدف تثبيت الهدنة، ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سُبل الحوار بين المكونات اليمنية، للوصول إلى حلٍّ سياسي شامل ومستدام في اليمن»، لتتحول أجواء المفاوضات إلى حالة من التوتر، إذ تسببت هذه التغريدات في ردود فعل رافضة من الحوثيين عبّرت عنها تغريدات لقيادات منهم رفضت التعامل مع السعودية وسيطًا، وإنما طرفًا؛ ما تسبب في عودة المفاوضات إلى الملف الإنساني، وحسب تصريحات حوثية فقد توقفت المفاوضات أمام الملف الإنساني، ولم تتجاوز حسم مسألة التعويضات، إذ قرر الوفد السعودي المغادرة إلى بلاده للتشاور، كما تم الاتفاق على عقد جولة أخرى في شهر مايو/ آيار.
وحسب مصادر فقد حقق الجانبان تقدمًا في مفاوضات الملف الإنساني، حتى يمكن القول إنه تم التوصل إلى شبه اتفاق حول بنوده، التي لم يُعلن عن طبيعتها وفق ما تم الاتفاق عليه، وهي ذات العلاقة برفع الحظر عن ميناء الحديدة وتوسيع وجهات الطيران من وإلى مطار صنعاء الدولي، وتبادل الأسرى، وفتح الطرقات، وصرف المرتبات واستئناف تصدير النفط… وكما صرح عضو المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، محمد علي الحوثي، فإن المهم هو الأفعال.
خلال المحادثات، وتحديدًا في تاريخ 12 أبريل/ نيسان، تم الإعلان عن مكالمة جرت بين مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وفهم الحوثيون أن المكالمة تندرج ضمن مساعي الولايات المتحدة لإعاقة التسوية في اليمن، في ظل رفضهم وانتقادهم المستمر لتحركات المبعوث الأميركي الخاص لليمن، إذ يعتبرون أن موقف أميركا ضد السلام، ومنحاز لاستمرار حالة اللا سلم واللا حرب مع استمرار بقاء الحصار.
خلال إجازة عيد الفطر المبارك ارتفعت لهجة التهديد من قِبل الحوثيين للسعودية، وصل حد التهديد لاستهداف الموانئ والمطارات في المملكة وفق تغريدة لعضو المكتب السياسي لجماعة “أنصار الله” محمد الفرح، بتاريخ 25 أبريل.
وفق مراقبين، يأتي التصعيد الأخير من باب الضغط على المملكة للعودة إلى المفاوضات التي يُفترض أن يتم الإعلان عن استئنافها مستهل مايو.
تعمل السعودية منذ الاتفاق السعودي الإيراني لاستئناف العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية على ردم بؤر التوتر في المنطقة، بما فيها الحرب في اليمن التي قادت فيها المملكة عمليات التحالف العربي لدعم الحكومة (المعترف بها دوليًّا)، إذ وصلت المملكة إلى قناعة بعد أكثر من ثماني سنوات من الحرب إلى أن الحل في اليمن لا بد أن يكون سياسيًّا في سياق حرصها على التفرغ لمشروعها التطويري (رؤية 2030)، وبلا شك أن رؤيتها للحل في اليمن لم تكن وليدة الآونة الأخيرة، فحسب ورقة مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، فقد هندست هذا الحل منذ ما قبل عقد المشاورات اليمنية اليمنية (مشاورات الرياض2) في مارس 2022م، والتي تلاها نقل السلطة لمجلس قيادي رئاسي، وإزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح، ليتضمن اتفاق نقل السلطة أن من مهام مجلس القيادة التفاوض مع الحوثيين، وأعقب نقل السلطة توقيع اتفاق هدنة تم تجديدها مرتين، لينفرط عقدها في الثاني من أكتوبر/ تشرين أول 2021، لتستمر الهدنة بشكل غير رسمي بموازاة استمرار مشاورات مسقط التي انتهت إلى تفاهمات حول عدد من القضايا، لتنتقل المشاورات إلى مفاوضات علنية ورسمية في صنعاء لأول مرة، بمشاركة وفد سعودي بوساطة عمانية.
وتنقسم خطة السلام المقترحة من السعودية إلى ثلاث مراحل متمثلة بهدنة لستة أشهر، وثلاثة أشهر مفاوضات، تليها مرحلة انتقالية لمدة سنتين.
لكن هناك مَن يستبعد تحقق ذلك في ظل تعقيدات الملف اليمني وقضاياه الشائكة التي تتطلب فيما تتطلبه حسمًا لها، بما في ذلك قضايا السلاح والمشاريع المحلية، والطموحات الإقليمية، علاوة على إعادة الإعمار وما ترتب عن الحرب من دمار، والتي تتطلب حسمها قبل الدخول في مفاوضات التسوية السياسية الشاملة.
لا يعني ذلك استمرار الحرب، بل إن إيقافها يمثل أولوية وهدفًا لا بد منه مهما طالت فترة الهدنة التي يفترض أن تشهد رفع الحصار وصرف المرتبات وفتح الطرقات وإطلاق الأسرى واستئناف تصدير النفط، وصولاً إلى مفاوضات يمنية شاملة تحدد مستقبل البلاد وشكل الدولة.
في الأخير ثمة حسابات دولية وإقليمية تعوق انطلاق مفاوضات الحل الشامل تبعًا لمصالحها، وهذه الحسابات لا تراعي معاناة اليمنيين مطلقًا.
تعليقات