عبدالله الصعفاني*
في صباح ما يسمى عيد الحب أو فالنتاين، بادرني أحدهم بسؤال غير استفهامي ولا استنكاري، وإنما استفزازي رغم أنني تجاوزت سِن الدعاء (ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك)، ولم أكن حينها أمسك دمية، ولا أرتدي قبعة أو (تي شرت) أحمر: أيش رأيك يا أستاذ بعيد الحب..؟
استعنت على الشقاء بالله، وطرحت كيس المصروف على الأرض، ولم يكن في نيتي سوى منحه الإجابة التي يرتاح لها فضوله.. قلتُ له اطمئن، فأنا لا أستلطف رمسسة الميتين..
وواصلت كلامي، مستغلاً انتباهه، نحن في اليمن نحتاج لأشياء كثيرة أهم من محاكاة فالنتاين في الرمسسة أو قِلَّة الحياء، وأنهيت الوقفة والرد على سؤاله بسؤال..
هااااه.. طابت نفسك..؟
غادر بمشاعر مزهوة وكأنه اصطاد الأسد..
* وعذرًا لو ظهر ردِّي مشوشًا بالنظر إلى حقيقة أن الحب أكبر من أن نحصره في فالنتاين أو حتى في الموروث العربي والعالمي من حكايات تحت عناوين العشق والصبابة والهوى والشغف بين الجنسين، لكنني كنت مرتعش الهامة أمشي، ودماغي تحت أشعة شمس الظهيرة، وأردتُ إنهاء الوقفة على طريقة أصحاب حكايات ألف ليلة وليلة (هذا أمر شرحه يطول وأنا الليلة مشغول..)
* وليس سؤال صاحبنا الباحث عن إجابة مغلقة يريد سماعها في الشارع العام إلا مثلاً على ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي من آراء حادة.. طرف شعاره (احمل عصا الرحيل يا فالنتاين) وطرف مشدود إلى تقليد المعلب ببعده الضيق، وكأن الاحتفال بفالنتاين هو الدليل الوحيد على الحياة.
* وقليلون هم الذين أخذوا مفردة الحب بمعناها الشامل الذي يرتقي بالتفكير إلى الأعالي.. فهل من سبيل لتغليب فكرة أن كل مناسبة عالمية، كبيرة أو صغيرة، هي فرصة للتغيير بهدف التطوير، خاصة إذا ما نظرنا إلى المناسبة في سياق إيجابي، فما عسانا أن نقول في مناسبة عالمية تحت اسم عيد الحب..؟
* في اليمن المنكوب بأبنائه الإخوة الأعداء، ومنكوب بحماقات وغطرسة قوى تدمير كل شيء خارج قواعد الحرب والاشتباك والقانون الإنساني، ما أحوجنا لأنْ تكون كل مناسبة مهما صغر شأنها تذكيرًا بحاجتنا لتفعيل كل منطلقات الحب التي ترتقي بالمشاعر.
الحب لِله والحب لرسوله والحب للوالدين والأقربين.. حب الوطن وناسه، وحب الأبناء، وحب الأزواج لبعضهم خارج حالة ما يسمى بالخرس الزوجي.. وهي صور محبة تقود إلى تسبيح الله في ملكه ومخلوقاته الجميلة.
* وهي مناسبة لإطلاق أُمنية بأن نكون أوادم بمعنى الكلمة، ونكون مسلمين وشركاء في الدين والوطن والإنسانية.
ليتنا نزرع الحب، نختلف فلا نفجر في الخصومة، نتذكر القربى فتدمع أعيننا عوضًا عن الاحتراب ونزيفه الدموي.
ليت كلّ منّا يحب وطنه وكأنه بصدد الاعتزاز الصادق برصيد اليمن في بنك الأناشيد.. ليتنا نجعل من شهور وسنين التدمير لليمن مبعثًا للتواصي بالعودة إلى الحق حتى ونحن داخل مركب في حالة تهديد بالغرق التام.
* مهم جدًّا أن نأخذ من كل مناسبة ما يرتقي بعواطفنا وإنسانيتنا.. وعيد الحب كما هو حال كل الأعياد يمكن اعتباره موعدًا لإظهار سلوكيات مقبولة دينيًّا أو اجتماعيًّا وإنسانيًّا تتجاوز التمترس بخفة حول دمية حمراء، أو اعتبار أحد الألوان التي أوجدها الخالق مجرد منكر وشر مستطير.
* الأجدى من الاختلاف حول أي شيء وكل شيء أن تتعالى الدعوات للتسامح والتصالح والسلام، ونتبادل الاحترام والثقة، فتهتم بي وأهتم بك تحت سقف “أنت حر ما لم تضر”..!
* عيد الحب هو أن تقول لكل شخص تحبه: أنا أحبك، فيرد عليك (أحبَّك الله) بصدق، وليس مجرد كلام.. هو أكبر من سجالات نحتفل أو لا نحتفل.. وهناك من المراجعات ما هو أهم في الحب وسنينه ومناسباته.. مراجعة تصالح الأحمق مع قدميه، وعودة الابن العاق الى أُمّه بدلاً من إجبارها على الصراخ المتواصل منذ غادر رحمها وحتى يغادر أحدهما الدنيا.
* وأتساءل هنا.. هل كان للمثقفين المستنيرين أيّ وقفة نقاش إيجابي لظاهرة تحول المشاكل الأسرية المعيشية بين الأزواج إلى قضايا متزايدة في محاكم طلب الخلع، وفشل حماية الأولاد من الضياع رغم وجود أبوين افتراضيين.
* الحب يا أصحاب هو فضاء واسع من السعادة، وهو يبدأ ويمر بتنفيذ شرط مراجعة النفس والشعور بالحسرة عندما لا تتألم لأوجاع غيرك ولا تتفاعل مع معاناة يجتمع فيها الجفاف العاطفي مع صعوبة حصول الأطفال على الحليب أو اللقمة وهم صغار لاحول لهم ولا قوة.
* كاتب يمني
تعليقات