صنعاء ـ “اليمني الأميركي” ـ محمد العلفي
مع نهاية الشهر يضطر الحاج مُحَمّد (60 عامًا)، الذي يُعاني من تورُّم قدميه جراء مرض النقرس، للوقوف لساعاتٍ في طابورٍ طويلٍ لتسليم أسطوانة الغاز المنزلي الفارغة لعاقل الحارة لتعبئتها، وفقًا لآلية التوزيع التي أقرّتها شركة الغاز اليمنية بصنعاء كطريقةٍ لإدارة أزمة الغاز المنزلي جراء محدودية الحصة المخصصة للعاصمة صنعاء، وفْق السلطة في صنعاء، من شركة صافر في محافظة مأرب الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا.
«هذه لم تعُد حياة.. من منتصف الليل واحنا في الطابور بالشارع من أجل نسلّم دبة (أسطوانة) الغاز… الله يصيبه من أوصلنا إلى هذه الحال»، يقولُ الحاج مُحمّد لـ”اليمني الأميركي” أثناء عودته إلى منزله بأحد أحياء العاصمة صنعاء، وقد بدا عليه آثار السهر والإعياء.
فاقَمت الحرب المستعرة في اليمن منذ أكثر من ست سنوات من معاناة اليمنيين الذين يعيشون أزمات يومية متعددة، ومن هذه الأزمات أزمة الغاز المنزلي التي تتفاقمُ منذ ثلاث سنوات، وبخاصة في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، وبشكلٍ أكثر وضوحًا في صنعاء.
قبل ثلاث سنوات أوقفَ (أنصار الله) الحوثيون نظام بيع الغاز عبْر محطات التعبئة التجارية، وأقرت السلطة هناك بيع الغاز المنزلي للمواطن من خلال شركة الغاز الحكومية التي بدورها تعتمدُ على عقال الحارات (شيوخ الحارات) كحلَقة وصلٍ مع المواطن.
وتتلقى شركة الغاز بصنعاء مقطورات من مأرب، وتعملُ على تفريغها في أسطواناتٍ يتم توزيعها بسيارات نقل متوسط إلى عُقّال الحارات بصنعاء، وفق نظامٍ متّبَع في العاصمة صنعاء على مستوى كلّ المديريات.
ويختلفُ الوضع من حارة لِأُخرى حسب العاقل (شيخ الحارة)، فمنهم من يفرضُ نظام الطوابير، ومنهم من يفرضُ نظام التسجيل المسبَق واستلام الأسطوانات وتسليمها معبأة خلال يوم أو يومين مقابل مبلغ 4700 ريال للأسطوانة (الدولار الأميركي يساوي 600 ريال في صنعاء).
يحرصُ الحاج مُحمّد على متابعة موعد استلام عاقل الحارة لأسطوانات الغاز عند نهاية الشهر، وغالبًا ما يتأخر هذا الموعد أسبوع أو أسبوعين، «عندما يحين يوم تسليم أسطوانات الغاز نذهبُ من الليل لنقف في الطابور؛ لأنّ العاقل يرفض استلام الأسطوانات المتأخرة ممَن هم في نهاية الطابور، بحجة أنّ الكمية المحددة 300 أسطوانة فقط».
وينتشرُ بموازاة هذا النظام سوق سوداء تُوفر أسطوانات الغاز بسعرٍ يتجاوز العشرة آلاف ريال، وهي الوسيلة التي يلجأ إليها الميسورون من الناس، والمضطرون أيضًا.
مع تدنّي مستوى الفقر جراء الحرب لم يعُد بمقدور بعض العائلات الحصول على الغاز، سواءً من عاقل الحارة أو الشراء من السوق السوداء، وبالتالي الاعتماد على وسائل تقليدية في تحضير الطعام كاستخدام الحطب والتناوير والمواقد التقليدية، بل إنّ ثمة عائلات لا تكفيها الأسطوانة المحددة في الشهر لتغطية احتياجاتها؛ ما يضطرها لاستخدام الغاز في طهي المأكولات الضرورية في واقعٍ معيشي يزدادُ تعقيدًا.
تختزلُ قصة الحاج (مُحمّد) معاناة كثير من اليمنيين، في معركة الحصول على حصصهم من الغاز المنزلي، من خلال آلية التوزيع، التي تتم عبر المجالس المحلية بالمديريات، وما يُعرف هناك بعُقال الحارات، والتي لا تضمنُ حصول الجميع على حصصهم (أسطوانة شهريًّا لكلّ عائلة)؛ ما يُجبر أهالي الأحياء المكتظة بالسكان على الوقوف في طوابير لساعاتٍ طويلة، كما يرى البعض، بينما يُرجِع آخرون ذلك لِما يصفوه بتلاعب بعض عُقّال الحارات بالحصة التموينية، من خلال بيع جزءٍ منها للسوق، بدليل أنّ بعض الأحياء يتم فيها توزيع الغاز بسلاسة، ودون أيّ ازدحام.
قبْل ثلاث سنوات أوقفَ (أنصار الله) الحوثيون نظام بيع الغاز عبْر محطات التعبئة التجارية، وأقرّت السلطة بيع الغاز المنزلي للمواطن من خلال شركة الغاز الحكومية التي بدورها تعتمدُ على عُقّال الحارات (شيوخ الحارات) كحلقة وصْلٍ مع المواطن.
آلية التوزيع
تعتمدُ آلية التوزيع على كشوفات حصر سكان الأحياء التي رفعها عُقّال الحارات للمجالس المحلية بالمديريات، والتي بدورها تقومُ برفعها لشركة الغاز التي تعملُ على توزيع كميات الغاز المتوفرة وفقًا لتلك الكشوفات.
بناءً على ذلك يقومُ عُقال الحارات عندما يحينُ موعد الحصة التموينية للحارة باستلام أسطوانات الغاز من الأهالي في اليوم الأول، ومن ثم نقلها لتعبئتها من محطات التعبئة المركزية، وبعد عودتها في اليوم الثاني أو الثالث يقومُ العُقّال بتسليمها للمواطنين.
يقولُ المتحدث باسم شركة الغاز اليمنية بصنعاء، علي معصار، لـ “اليمني الأميركي”، إنه «يتم توزيع 183 سيارة نقْل متوسطة، تحملُ كلٌّ منها 200 أسطوانة غاز، بمعنى أنّ إجمالي الكمية التي توزَّع في صنعاء تبلغُ 36600 أسطوانة يوميًّا عدا يومي الاثنين أو الثلاثاء، والجمعة؛ فتلك اليومين تُعدّان إجازة من أجل تجميع أسطوانات الغاز الفارغة».
ويشيرُ معصار إلى أنّ هذه العملية تعتمدُ على وصول المقطورات المحملة بالغاز من شركة صافر بمحافظة مأرب/ شرق، إلى صنعاء وبقية المحافظات، «في العادة يتم تعبئة 75 مقطورة يوميًّا من شركة صافر، ويتم توزيعها على محافظات البلاد، وعبوة كلّ مقطورة تكفي لتعبئة 86 أسطوانة غاز», يضيف.
المتحدث باسم شركة الغاز اليمنية بصنعاء، علي معصار، لـ”اليمني الأميركي”: «يتم توزيع 183 سيارة نقل متوسطة، تحملُ كلٌّ منها 200 أسطوانة غاز، بمعنى أنّ إجمالي الكمية التي تُوزّع يوميًّا بصنعاء تبلغُ 36600 أسطوانة».
العجز
وأرجعَ متحدث شركة الغاز (معصار) العجز في تغطية الاحتياج بصنعاء للتوسع السكاني الناتج عن تزايُد أعداد النازحين، وبالتالي زيادة عدد السكان، خاصة في بعض المديريات المفتوحة، مع ثبات كمية الغاز المعتمَدة (36600) أسطوانة يوميًّا، والتي تُغطي الاحتياجات التي تم رصدها وفقًا لكشوفات عُقّال الحارات منذ ما يقاربُ ثلاثة أعوام، «ونظرًا لذلك قمنا بمخاطبة شركة صافر لزيادة مخصص أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء؛ نظرًا لخصوصيتيهما في استقبال آلاف النازحين خلال السنوات الأخيرة، وقد تلقّينا وعود برفع المخصص».
«أحيانًا تصلُ ما بين مقطورتين إلى خمس مقطورات فقط، والاحتياج الفعلي أكبر بكثيرٍ من ذلك، وهنا تحصلُ أزمة».
الإشكاليات والإرباك
ويشيرُ معصار إلى حالة الإرباك التي يتسببُ بها تأخُّر وصول مقطورات الغاز، وبالتالي عدم القدرة على توفير الكميات اللازمة لتغطية الاحتياج؛ «نتيجةً لعدم وصول المقطورات؛ فيتم ترحيل الحصص الواجب صرفها إلى حين وصول المقطورات، ما يؤدي إلى تأخُّر عملية الصرف وتراكمها».. ويُتابع: «مؤخرًا تأخر وصول المقطورات 15 يومًا جراء التقطعات القبلية، وقبلها 15 يومًا فترة صيانة شركة صافر، ما تسبب في حصول أزمة، ناهيك عن الضغط الذي يتسببُ به انخفاض عدد المقطورات الواصلة، فأحيانًا تصلُ ما بين مقطورتين إلى خمس مقطورات فقط، والاحتياج الفعلي، كما سبقت الإشارة، أكبر بكثير من ذلك، وهنا تحصلُ أزمة».
تعليقات