صنعاء – “اليمني الأميركي”
ما الذي خسره اليمن برحيل الدبلوماسي والسياسي والكاتب د. أحمد الصيّاد، المدير العام المساعد السابق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)؟.. سؤال يفرضُ نفسه عقب رحيلٍ مؤلم لعلَمٍ ثقافي يمني وعربي ودولي له إسهاماته العديدة، علاوة على ما كان يتمتعُ به من قدرات ومهارات وروح راقية مكّنته من نسْج علاقات وتحقيق حضور كبير في المنظمة الدولية العريقة.
علاوة على ذلك يُعد الصيّاد من رموز الحركة الوطنية اليمنية، وكان من أبطال ملحمة فكّ حصار السبعين يومًا عن صنعاء في ستينيات القرن الماضي، وصاحب تجربة وطنية نقيّة لها سِجِل حافل بالمواقف التي تؤكد عِظَم خسارته؛ لا سيما وأنّ هذه الخسارة تأتي في مرحلة تتوالى فيها الخسارات لليمن خلال صراع مرير يخذُلُ فيه البلد أبرز رجاله، ويتركهم يموتون وحيدين.
تُوفّي الصياد في أحد مستشفيات باريس، الاثنين – الموافق 26 يوليو/ تموز، إثر صراع مرير مع المرض استسلم له جسده في الأخير لترقى روحه إلى بارئها، وتُطوى بذلك مسيرة شخصية يمنية كان لها رصيدها ومواقفها الشجاعة وإسهاماتها الواضحة.
نعاه الكثير من اليمنيين على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدين الخسارة الفادحة التي خلّفها رحيله لليمن المظلوم، والظالم لأبنائه، من خلال أبنائه أيضًا.
في عنوان هذا التقرير استعرنا بعضًا من عنوان أحد كُتب الصيّاد في محاولة لاختزال المعاناة اليمنية بين ظلم أبنائه لأبنائه ومظلوميتها العامة.
طاهر: كان الصيّاد كمتخرج في كلية الشرطة في طليعة المدافعين عن الثورة والجمهورية.
القدسي: كان للصيّاد حضور عربي شامخ شموخ قلب الرجل الكبير، وله حضوره العالمي كمرجعٍ لا يُستغنى عنه للمديرين العامِّين للمنظمة.
مناضل كبير
أحمد الصياد واحدٌ من أبطال كسر الحصار عن صنعاء في السبعين يومًا، حيث كان إلى جانب رفاقه كضباط شرطة: جار الله عمر، ومحمد عبدالسلام منصور، وأحمد علي الوادعي، وعبدالله محمد العلفي، وأحمد الكدادي، ومئات وآلاف من الجيش والأمن والمقاومة الشعبية.. يقول الكاتب المعروف عبدالباري طاهر – نقيب الصحافيين الأسبق: «كان الصياد كمتخرج في كلية الشرطة في طليعة المدافعين عن الثورة والجمهورية. بعد الانتصار وفك الحصار ذهب إلى العراق وأعد رسالته للماجستير، وعاد إلى صنعاء مطلع الثمانينيات ليلتحق بهيئة التدريس في الجامعة، ولكن الملاحقات والمضايقات الأمنية اضطرته للفرار من صنعاء متخفيًا».
وأضاف: «في تقديمه، أيضًا، في كتابه الأخير “اليونسكو رؤية القرن الواحد والعشرين”، يشير صديق عمره ورفيقه في حركة القوميين العرب والحزب الديمقراطي الثوري، الباحث والمفكر الكبير علي محمد زيد “لا يُمكن التفكير بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم والاتصالات (اليونسكو) وتحولاتها من حيث رسالتها العالية ورؤاها ومبادئها ومُثُلِها، ومن حيث تكييف برامجها وبنيتها الإدارية، في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، دون ربط ذلك كله بأحمد الصيّاد – أهم دبلوماسي عربي في المنظمة خلال هذه الفترة”».
«كان شجاعًا حدّ الفِداء، صراحته ومبدئيته وصدق مواقفه سببت له متاعب تبدأ ولا تنتهي».. «اهتم الصياد منذ البداية بالتعليم.. يُجِيد اللغتين الفرنسية والانكليزية، إضافة إلى لغته العربية الأم، كما اهتم بالبحث والكتابة والتأليف، وصدر له: السلطة والمعارضة في اليمن المعاصر، اليمن وفصول الجحيم، اليسار اليمني ظالم أم مظلوم، المرأة اليمنية وتحديات العصر، رواية آخر القرامطة، رواية درويش صنعاء».
المعمري: كان مرشحًا يمنيًّا كفؤًا لرئاسة المنظمة الدولية لولا أنْ خذله المال.
النبهاني: لقد انطفأ مشعل للنور ورمز من رموز الحداثة والنضال الوطني في اليمن وقامة إنسانية كبيرة خدمت اليمن لدى اليونسكو وفي العالم.
المقري: بفقدان الصيّاد يخسرُ اليمن أجمل أبنائه الذين لم يُنصت لأصواتهم القادرة على رسم يمن معافى من التسلط والانتكاسات الطويلة.
المُكافح المُنافح
د. محمد عبدالباري القدسي، أمين عام سابق للجنة الوطنية اليمنية لليونسكو، قال إنّ أحمد الصياد «كان مرجعًا مهمًّا من مراجع منظمة اليونسكو في باريس، وفقيه الثقافة والأدب.. تعرفتُ عليه بعد العام 2002 حينما توليت عملي أمينًا عامًّا للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، فأعجبتُ بإدارته لمنظمة اليونسكو من خلال عمله مديرًا عامًّا مساعدًا ومسؤولًا عن اللجان الوطنية، وغير ذلك من علاقات اليونسكو للدول كافة (198 دولة)».
وأضاف: «كان للصياد حضور عربي شامخ شموخ قلب الرجل الكبير، وله حضوره العالمي كمرجع لا يُستغنى عنه للمديرين العامّين للمنظمة.. كان رسول اليونسكو حينما يتعلقُ الأمر بالدول العربية، فكان الناصح الأمين لأمته، المكافح المنافح عن مصالحها، وفي عهده شهدت اللجان الوطنية على مستوى العالم ازدهارًا كبيرًا عُرف باسمه وعهده».
وتابع: «يمنيًّا وعربيًّا يُشار إليه بالبنان في منظمة عتيدة كاليونسكو، ومثقف لم ينبت عن وطنه، فقد ظل يكتب ما يؤرق الوطن في كل وقت وحين.
سارت الرياح بما لا تشتهي السفن وترشَّحَ لليونسكو، إلا أنّ حضور اليمن لم يسمح له بمواصلة الترشّح؛ فانسحب كما ينسحب الكبار عن الساحة.. شخصية مرموقة وفارعة ومهيبة خدمت الجميع، إلا أنّ أمثال هؤلاء قد يُنْتَقصون في أوطانهم، للأسف الشديد، حينما ينقلبُ وضع الهرم، وتتغير موازين اعتبارات إسهامات الرجال الأوفياء».
مثقف عضوي
د. أحمد المعمري، أمين عام سابق للجنة الوطنية اليمنية لليونسكو، نعى الصيّاد، «كمثقف عضوي مثَّلَ رحيله خسارة كبيرة»، لافتًا إلى دوره في «إدخال صنعاء وزبيد قائمة التراث العالمي»، مشيرًا إلى تجربته ككاتب ومتحدث بلغات العالم الحية، وعلاقاته الدولية الواسعة، كما كان مرشحًا يمنيًّا كفؤًا لرئاسة المنظمة الدولية لولا أنْ خذله المال – حدّ تعبيره، منوهًا بتجربته «كرجُل عصامي ناجح استطاع أنْ يتجاوز التخلف، ويُصبح كاتبًا ومتحدثًا رصينًا وهادئًا».
متعدد القدرات
د. ياسين الشيباني، المحاضر بجامعة صنعاء، يقول: «آخر مرة التقيته كانت في بيروت، في المؤتمر الإقليمي لمنظمة اليونسكو، أيام كان يشغلُ منصب المدير العام التنفيذي المساعد لأكبر منظمة تعليمية وثقافية في العالم، كان رجلاً متعدد القدرات، أكاديميًّا، وإداريًّا، مثقفًا وسياسيًّا، صاحب مبدأ، ولا تنقصه الشجاعة».
وأضاف: «كان د. الصياد محل احترام وتقدير الجميع بصرف النظر عن اختلافهم معه في وجهات النظر، وبرحيله فقد اليمن أحد رجاله الكبار».
قامة إنسانية
فيما رأى الناشط الحقوقي أحمد ناجي النبهاني أنّ «الإنسانية قد خسرت برحيل أحمد الصياد واحدًا من أهم الرجال الذين أسهموا في خلق قنوات للتواصل الحضاري في مجالات التربية والثقافة والعلوم».
وأشار إلى الأدوار الوطنية للراحل بدءًا من دوره في ملحمة فك حصار السبعين يومًا عن صنعاء في الستينيات، والتي تضعه ضمن قائمة أهم رجالات الحركة الوطنية اليمنية، حدّ تعبيره.
وقال: «لقد انطفأ مشعل للنور، ورمز من رموز الحداثة والنضال الوطني في اليمن، وقامة إنسانية كبيرة خدمت اليمن لدى اليونسكو وفي العالم، ولذلك فإنّ إحساسنا بالفقد كبير بقدر حجم الخسارة التي هي كبيرة، ولا يمكن وصفها بالكلمات».
خسارة كبيرة
الروائي علي المقري، المقيم في فرنسا، اعتبر رحيل الصياد «خسارة يمنية وإنسانية كبيرة لشخصية قدّمت الكثير لبلدها وللعالم».. «بفقدان الصيّاد يخسر اليمن أجمل أبنائه الذين لم يُنصت لأصواتهم القادرة على رسم يمن معافى من التسلط والانتكاسات الطويلة»، «ويفقد العالم شخصية بارزة أسهمت بشكل متميز في تحديد مسارات منظمة اليونسكو وإسهاماتها في الثقافة الإنسانية».
مواقف شجاعة
الصحافي أحمد الأغبري، مدير تحرير القسم العربي في “اليمني الأميركي”، قال إنّ اليمن «برحيل أحمد الصيّاد فقد واحدًا من أنزه وأشجع وأهم رجاله المخلصين».. «كانت حياة الراحل حافلة بسجلٍ طويل من الإنجاز بدءًا من دوره الوطني في ستينيات القرن الماضي، إذ كان من أبطال معركة فك حصار السبعين يومًا عن صنعاء، علاوةً على تمكُّنه من التأهل العلمي وإجادة أكثر من لغة، وما سجّله من حضورٍ عربي وعالمي خلال عمله في منظمة اليونسكو، والتي وصلَ فيها إلى موقع المدير العام المساعد، كما كان فاعلاً ومؤثرًا في عمله مندوبًا لليمن في المنظمة الدولية، وقدّم أنموذجًا للدبلوماسي المحترف والمخلص، كما سجّل مواقف شُجاعة أعلت من مكانته في علاقته بالوطن». وأشار الأغبري إلى تجربة الراحل في الكتابة، والتي أنجز فيها عددًا من الكتب تُمثّل اليوم عناوين مهمة من عناوين الثقافة والأدب في اليمن.
تعليقات