صنعاء – “اليمني الأميركي” – أحمد الكمالي:
لم يكن الأكاديمي اليمني علي راجح القُدمي (63 عامًا) يتوقع أن التحاقه بمبادرة “أحسن فريق” الرياضية بصنعاء قد يغير حياته كليًّا من خلال استعادة عافيته لدرجة يتخلى عن معظم أدويته، وهو الذي التحق بتمارين المبادرة في وضع صحي حرج عقب إصابته بذبحة صدرية.
مشهد لم يسبق أن عاشته صنعاء قبل ولادة هذه المبادرة.. مشهد أبطاله متدربون من مختلف الفئات العمرية والمستويات المادية يلتقون في عدد من ساحات صنعاء في وقت مبكر لا لشيء إلا لممارسة الرياضة بروح إيجابية عالية… إنهم يرسمون صورة مختلفة باتجاه تكريس الرياضة في ثقافة السلوك اليومي… صورة بقدر ما تعكس إمكانات تحدي الحرب من خلال الرياضة باعتبارها أبرز تجليات إرادة الحياة… تعكس أيضًا ما يمكن أن تخلقه الرياضة من عافية بدنية وعقلية، وهو ما يتجلى في قصة كل شخص انضم لـ”أحسن فريق” في خمسة أحياء من أحياء صنعاء، وأيضًا في قصة كل فريق من فِرق المبادرة في توادهم وتراحمهم.
لقد أتاحت المبادرة لـ (علي) أداء التمارين الرياضية اليومية في الهواء الطلق في ساحة حديقة الثورة بالعاصمة اليمنية صنعاء، مع العشرات من رفاقه، الأمر الذي ساعده على التخلص من آثار الذبحة الصدرية التي كان يعاني منها، وانعكس إيجابًا على لياقته البدنية.
مبادرة “أحسن فريق”، التي أطلقها المهندس ناجي أبو حاتم ومجموعة من المهتمين بالرياضة في صنعاء في عام 2019، وتهدف إلى تعميم ثقافة الرياضة في المجتمع، شكّلت حالة غير مسبوقة في ظل قلة الأندية الصحية بصنعاء وتدني الوعي المجتمعي بأهمية الرياضة صحيًّا وثقافيًّا.
صحة جسدية
بعد أكثر من ثلاثة أعوام من مداومته على أداء التمارين الرياضية اليومية، يقول أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة حجة، علي راجح القدمي، إن الانضمام لـ “أحسن فريق” قد منحه بداية جديدة لحياته.
«جئتُ إلى هذا المكان بثلاثة أرجل، وكنت أمشي وتوازني مفقود تمامًا نتيجة إصابتي بالذبحة الصدرية، بالإضافة إلى أن لديّ دعامات لتقوية عضلات القلب وأعاني من تصلب في الشرايين، وأستخدم أكثر من ثمانية أدوية غالية الثمن، أحدها تصل كلفته إلى 54 ألف ريال شهريًّا [الدولار الأميركي يساوي 550 ريالًا يمني في صنعاء]».
أثناء ممارسته التمارين الصباحية مع رفاقه، يقول الأكاديمي القدمي لـ “اليمني الأميركي”، إن ممارسته للرياضة انعكست إيجابًا على صحته، حيث زالت آثار الذبحة الصدرية، وتخلى عن الكثير من الأدوية، وشعر بعافيته ونشاطه.
علي ليس وحده من استفاد من تمارين المبادرة، فالكثير من المشاركين، في “أحسن فريق”، استفادوا صحيًّا، وتمكنوا من التخلص من العديد من الأمراض المزمنة أو السيطرة عليها كالسكري والضغط وأمراض القلب.
كما تجاوز البعض من أعضاء المبادرة الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق وصعوبة تنظيم النوم… إلخ، وشعروا بتحسن علاقاتهم ببرامج حياتهم العملية، كل ذلك بسبب انتظامهم في ممارسة الرياضة، وفق أحاديث عدد منهم إلى “اليمني الأميركي”.
«يحتوي برنامج التمارين الرياضية الذي يمارسه منتسبو “أحسن فريق” 32 تمرينًا من التمارين السويدية المتعارف عليها في الأوساط الرياضية، بما فيها تمارين خاصة بالتنفس، ثم تمارين مقاومة الجسم تبدأ من الرأس إلى الرقبة، ثم الأيدي والأكتاف، وسط الجسم، ثم الجزء الأسفل»، حسب المختص بالتمارين الرياضية الكابتن عبده علي دحان، متحدثًا إلى “اليمني الأميركي”.
ويذكر الكابتن دحان، الذي التحق بالمبادرة منذ بدايتها، أن برنامج التمارين الذي يقدّمه “أحسن فريق”، «نوعي ويفي بالغرض من الناحية الصحية، ويناسب كل الفئات العمرية، ولا يشهد التحامات ينتج عنها إصابات، كما يحافظ على التباعد الاجتماعي».
ويؤكد حاجة البرنامج لمزيد من التطوير من خلال دعم المتدربين بأجهزة خاصة وتوفير المزيد من الساحات الملائمة لاحتواء الأعداد المقبلة على التدريب بما يشجع الناس على الانضمام واستنساخ هذه المبادرة في جميع أحياء العاصمة.
هكذا استعاد الأكاديمي علي القدمي عافيته وتخلى عن أدويته.
تكريس قيم إيجابية
إلى جانب الاستفادة الصحية من النشاط الرياضي، فإن مبادرة “أحسن فريق” قد ساهمت في تغيير سلوك الكثير من أعضاء الفريق في ما يخص الإقلاع عن العادات الضارة كتعاطي القات والتدخين والسهر، وحولت الفريق إلى شبه مجتمع مصغر يسوده الألفة والتكافل بين أفراده على صعيد معالجة مشاكلهم وهمومهم التي أفرزتها الحرب في كل بيت يمني.
ويذكر الباحث الاجتماعي وأحد القائمين على المبادرة، أحمد العوامي، أن المبادرة عززت من قيم التعاون الاجتماعي بين المشاركين، من خلال التعارف وتبادل الخبرات والتعاون في توفير الاحتياجات ومشاركة بعضهم في الأفراح والمناسبات.
من 400 إلى 500 متدرب يتدربون يوميًّا في ساحات “أحسن فريق”.
مطلق المبادرة (أبو حاتم): ليس في خيارتنا التحول إلى نادٍ رسمي.
خمس فِرق
مبادرة “أحسن فريق”، التي انطلقت، في ظل ظروف الحرب التي يعيشها اليمن، من ساحة حديقة الثورة، تطورت سريعًا وتوسعت حتى صارت حاليًّا خمس فرق موزعة على خمس ساحات تدريب في العاصمة صنعاء، هي بالإضافة إلى حديقة الثورة: نادي سام الترفيهي وسط العاصمة، دار الأيتام بحي النهضة، حديقة رواد الجوية بحي دارس، ونادي الوحدة في حدة، يتدرب فيها من 400 إلى 500 شخص يوميًّا، حسب القائمين على المبادرة.
ويشير (العوامي) إلى أن كل أعضاء الفِرق الخمس يجتمعون في المركز الرئيسي في حديقة الثورة نهاية كل أسبوع، ويتشاركون في مأدبة إفطار جماعي، وينظمون رحلات ترفيهية شهرية عادة، ويحافظون على التواصل الدائم في ما بينهم عبر مجموعات خاصة بالفريق على منصات التواصل الاجتماعي.
وعزا صاحب فكرة المبادرة، المهندس ناجي أبو حاتم، نجاح المبادرة إلى كونها «وفرت للكثير إمكانية ممارسة الرياضة في بيئة مشجعة ومحفزة ومجانية وسهلة، وهو ما دفع الكثير للإقبال عليها، وفي مقدمتهم الذين يعانون من أمراض مزمنة، والذين وجدوا ضالتهم في “أحسن فريق” الذي يقبل ويشجع الجميع من كل الفئات العمرية على ممارسة الرياضة دون تحفّظ ودون شروط مسبقة ودون اشتراكات أو الالتزام بزيٍّ محدد، سوى شرط واحد وهو الابتعاد عن الخوض في السياسة».
ويطمح صاحب الفكرة، أن يتعدى انتشار المبادرة جميع أحياء العاصمة صنعاء، إلى جميع المدن اليمنية، ولا تقتصر ممارسة الرياضة على مجتمع الرجال فقط.
وردًّا على سؤال “اليمني الأميركي”، عن إمكانية تحول المبادرة إلى نادٍ رسمي، يقول المهندس ناجي: «ليس في خياراتنا التحول إلى فريق أو نادٍ رسمي، حيث يحرص “أحسن فريق” على الحفاظ على حالة الحماس الجماعي الذاتي للمئات من المواطنين والمهتمين بالرياضة».
يضاف إلى ذلك أن هذه المبادرة قد أسهمت في تغيير النظرة السلبية السائدة لدى المجتمع اليمني عن صعوبة ممارسة الرياضة، بل أكدت إمكانية تحولها إلى سلوك مجتمعي يومي.
جوهر الكلام: تُمثل الرياضة إحدى أهم وسائل الارتقاء بوعي المجتمع إنسانيًّا، وبموازاة ذلك تسهم بفاعلية في تحسين عافيته، ومن خلال الوعي الإنساني والعافية الجسدية يمكن للمجتمع أن يتعايش وينمو إيجابيًّا… الأمر الذي يحتم على المؤسسات المعنية في الحكومة والقطاع الخاص دعم هكذا مبادرات بما يسهم في تعميمها بهدف تكريس قيم مجتمع قادر على تجاوز مشكلاته الصحية والاجتماعية.
(القدمي) الذي يقطع يوميًّا ما يقارب من اثنين كيلو متر مشيًا على الأقدام للوصول من منزله إلى حديقة الثورة للمشاركة في تمارين “أحسن فريق”، يدعو كل أفراد المجتمع اليمني في العاصمة، بالذات المصابين بالأمراض المزمنة من كبار السن إلى الالتحاق بالمبادرة واستنساخها؛ باعتبارها وسيلة سهلة ومتاحة للجميع ومجانية وتهدف لتكريس ثقافة الرياضة كسلوك يومي يحمي عافية الفرد والمجتمع.
تعليقات