أحد أبرز شعراء اليمن الشباب يحيى الحمادي لـ “اليمني الأميركي”: لا أؤمن بأن تغيير الشكل الشعري قد يأتي بشاعر جيد
يبرز الشاعر يحيى الحمادي حالة خاصة في جيل الشعراء اليمنيين الشباب من خلال تمتعه بصوت ينضح ضوءًا في علاقته بالكلمة والصورة، وقبل ذلك نجده يتوهج بالرؤية في علاقته بالحياة وقيم الجمال.. يتناول هذا الحوار بعض ملامح قصيدته وتجربته مع الشعر عمومًا، ومعها تجربته رسامًا للوجوه والتي برز فيها مؤخرًا.
صنعاء – «اليمني الأميركي»:
*من أية جهة يأتيك الشعر قبل أن تمسك بالقلم؟
– لا أعتقد أن للشعر جهة محددة يمكن القول إنه يأتي منها، فالشعر استجابةٌ واضحةٌ لصوتٍ غامض، ولا يمكن لهذا الصوت أن يكون ذا جهةٍ واضحة قبل أن يجد استجابةً واضحةً من خلالها يأخذ شكلَه المحدد ويعرف جهتَه.
* وبأية روح تكتبه؟ وأية روح تهيمن عليك عندما تستجيب لداعي الشعر؟
– الروحُ التي تكتب الشعر واحدة، لكنها تتعدد بتعدد أغراضه، فحين يكتبُ الشاعر عن قضية عامة فهو يكتبها متقمصًا روحَها الجمعية، وناطقًا بلسان حالها، وحين يكتب عن قضية فردية فهو ينتقل بروحه إلى روح صاحبها فينقل تلك القضية إلى الناس وكأنه هو صاحبها، أما حين يكتب عن ذاته فهو يطلق العنان لروحه الثابتة لتتغلب على ما عداها من الأصوات الجانبية، فتنقل صورةً داخلية أكثر وضوحًا وعمقًا.
كتابة القصيدة
*وهل يكون الداعي إلى الشعر في المبتدأ؛ أبياتًا أم قصيدة.. أقصد متى تتشكل القصيدة؛ في داخلك قبل انتقالها للورق.. أم خلال الكتابة؟
– في البدء تكون الرغبة، وهي حصيلةُ عدة عوامل داخلية أو خارجية يتشكل على إثرها ذلك الصوت أو الداعي المُلِح الذي تتخلّق منه، ثم تنتقل إلى مرحلة التكوين الداخلي، والذي بدوره ينتقل إلى حيز الواقع.
* ومتى تُعلن إيمانك بالقصيدة كمخلوق ينتمي إليك؟
– أعلن عن إيماني بالقصيدة عندما تقول ما أردتُ قولَه، ثم عندما تلامس هموم الناس وتلقى استحسانهم؛ الإيمان بالقصيدة عندي هو الإيمان بالقضية التي تحملها، فهي إن لم تكن ذات قضية فإنها لا تستطيع حتى أن تؤمن بذاتها، ناهيك عن إيمان صاحبها بها، أما انتماؤها إليّ فيكون لحظة ولادتها.
الحرب
*ظهرَ صوتك مع بدء دخول بلادك في متاهة سياسية وصلت في النهاية إلى حرب.. كيف ترى تأثير هذه الظروف على نضج تجربتك وتجارب زملائك من الشعراء الشباب؟
– لا أُنكر أن الظروف التي مرت بها البلاد – وما زالت – قد أسهمت بشكل كبير في تنمية التجربة الشعرية لديّ ولدى العديد من المبدعين، فالأحداث الاجتماعية في أي بلد تكون أكثر وطأةً في نفوس المبدعين مقارنةً بغيرهم، فهي تجتذبهم بشدة إلى الاستجابة لمحفزاتها وتداعياتها المتوالية، مما يُكسبهم المِراس الذي يتنامى بتنامي الأحداث وتواليها.
*إيمانك بالقصيدة العمودية كشكل تكتب عليه هل هو قابل أن تكفر به وتنقلب عليه؟
– لست ممن يؤمنون أن تغيير الشكل الشعري بإمكانه أن يأتي بشعر جديد، أو بشاعر جيّد، ولكني أيضًا لا أتعصب للقصيدة العمودية على حساب غيرها، فأنا أيضًا أكتب التفعيلة والنثر، وأرى أنه بإمكان الشاعر أن يكون حداثيًّا في أيّ شكل شاء، ما دام يُنمّي من قدراته ويُغذّي مداركه من جميع المناهل والحقول الثقافية، ولا ينشغل بالصدام من أجل إحقاق رؤيته الخاصة على حساب رؤى الآخرين.
القصيدة العمودية
*كيف استطعت المواءمة خلال كتابة القصيدة العمودية بين شكلها التقليدي وروحها المشعة الطازجة التي تجعلها مضيئة كأنها لا يمكن أن تُكتب إلا هكذا..؟
– من خلال كتابتي للنص العمودي أحاول قدر الإمكان ألا أجعل عدسته ثابتةً على زاوية واحدة، فالنص لديّ متحرك ومتعدد الاتجاهات والمشاهد، وهو متسلسل دراميًّا بحيث لا يصيب القارئ بالملل، وفي الوقت نفسه لا يُغرق في السريالية فيَخرج عن غرضه الأصلي الذي كُتب من أجله.
* تتميز الصورة الشعرية في قصائدك بتمددها مشهديًّا وتصاعدها سرديًّا على امتداد القصيدة غالبًا.. ما الذي يُسند هذه الرؤية والتجربة لديك؟
– لعل انعكاس الصورة الواقعية المُعاشة ومضامينها الاجتماعية هي مَن يتحكم بتمدد الصورة الشعرية وتصاعدها في قصائدي، فأنا لا أعتمد على رؤيةٍ محددة مسبقة أضبط من خلالها علو الصورة وانخفاضها، ولكني أتنقل في المشهد النصي دون أن أقيّد حركتي بنظريةٍ أو بتجربةٍ محددة سلفًا.
يحيى .. الرسام
*ظهرْت في الفترة الأخيرة رسامًا للوجوه.. ما طبيعة هذه التجربة، وكيف تمارسها؟
– قيل قديمًا إن الشعر رسمٌ ناطق، والرسم شعرٌ صامت، وقد حاولت جاهدًا في الفترة الأخيرة أن أخلق شيئًا من التعايش بينهما، بعد أن كنتُ قد تخليت عن ممارستي الرسم منذ أكثر من عقد من الزمان، حين طغى الشعر عليه واستأثر بكامل وقتي وجهدي، وممارستي للرسم خلال العامين المنصرمين اقتصرت على رسم الأصدقاء والشخصيات الوطنية البارزة، ولكن يبدو أنها ستتغلب – تحت ضغط الواقع – على الشعر، لتصبح مهنة أتكسب منها.
تعليقات