Accessibility links

البسطاء يدفعون تكلفه باهظة للحرب في اليمن.. منصور الذرحاني أنموذجاً


إعلان

صنعاء – “اليمني الأميركي”: وجدي الأهل

منصور علي عوضة الذرحاني.. من مواليد العام 1984 بمدينة صنعاء.. أنموذج للشاب اليمني المكافح، تكفل بإعالة أسرته بعد وفاة والده، واجتهد لتحقيق طموحه في التعليم الجامعي، حتى نال شهادة البكالوريوس من كلية التجارة، تخصص إدارة أعمال.

وكانت له طموحاته وخططه الخاصة بمستقبله،

إلا أن وفاة والده، وتحمله المسؤولية من بعده، وظروف المعيشة، حالت دون تحقيق ما يصبو إليه، مما اضطره للعمل سائقاً لحافلة ركاب صغيرة – 7 ركاب- ورثها عن أبيه.

بعد عام تقريباً، قام ببيع حافلة الركاب الصغيرة، ذات المردود المادي المحدود، واشترى سيارة أجرة متواضعة، فتحسن دخله قليلاً.. لقد أحب العمل على تاكسي الأجرة، وشعر بالحرية والراحة، إذ لم يعد مقيداً بخط سير واحد، كما كان الحال عليه في حافلة الركاب الصغيرة.. يشرح قائلاً: إن العمل على الحافلة ممل جداً: نفس الوجوه، ونفس الشوارع والأماكن.. أما العمل على التاكسي فممتع وسهل ولا يربطك بمكان محدد.

العمل على تاكسي الأجرة فرصة رائعة لاكتشاف أحياء وشوارع المدينة المحبوبة صنعاء، وأيضًا اللقاء بأشكال وألوان من الناس ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.. هذا بالإضافة إلى أنه يشبع العديد من هواياتك المفضلة..

نادراً ما يتبادل الركاب حديثًا مع سائقي الحافلات، ولكن مع سائقي التاكسي يحدث العكس، وكل سائقي التاكسي يستمتعون بتجاذب أطراف الحديث مع الركاب.. ولذا وجد (منصور) أن حياته تبدلت إلى الأفضل مادياً ومعنوياً منذ غيّر في مهنته إلى سائق سيارة تاكسي.

لكن حالة الرضا عن وضعه وعمله ما لبثت أن تبددت بسبب حادثة بسيطة تركت أثرًا غائرًا في نفسه..  يتحدث عن ذلك بالقول: إنه في أحد الأيام من العام 2008 كان متوقفاً عند مركز تجاري، حيث تقف سيارات التاكسي بالدور، وأتت إليه امرأة عجوز واتفقت معه على أجرة المشوار وصعدت، ثم طلبت منه انتظار خروج بناتها الثلاث من مركز التسوق، وعندما رأت الصبايا سيارته، وكم هي متهالكة وقديمة، رفضن الركوب فيها، ووصفنها بأنها «خردة»!.. اعتذرت منه المرأة العجوز ونزلت، وتبعت بناتها اللواتي استأجرن سيارة تاكسي جديدة وأنيقة.

لقد شعر بإحراج شديد، فدفعه هذا الموقف إلى بيع سيارته العتيقة، واستبدالها بسيارة تاكسي جديدة، والمفاجأة أن دخله تحسن بشكل كبير، لأن محركها يستهلك بترول أقل، والزبائن صاروا يدفعون مبالغ أعلى مقابل مشاويرهم!.. وتابع: أن السيارة الجديدة أصبحت جاذبة للركاب من ذوي الدخل المرتفع الذين يدفعون مبالغ جيدة..

وعلّق منصور: «الفتيات الثلاث جلبن لي الحظ في ذلك اليوم وبطريقتهن الخاصة»..!

سألته كم كان يبلغ متوسط ربحه الصافي اليومي بالتاكسي الجديدة؟.. فقال: إن ما يربحه بعد خصم كلفة البترول والوجبات كان يتراوح ما بين 20- 30 دولارًاً في اليوم الواحد، وهو دخل يُعتبر جيدًاً في بلد كاليمن.

لم تؤثر ثورة التغيير في العام 2011 على دخله، باستثناء أسبوعين فقط توقف فيهما عن العمل نتيجة انعدام البترول في الأسواق..

عن تلك الفترة المضطربة يتحدث (منصور) قائلاً: «سائق التاكسي عليه أن يُماشي الراكب في الكلام حتى يوصله مشواره وينزل.. فإذا كان الراكب من أنصار الثورة، فحينذاك أنا لا أقل ثورية عنه، وإذا كان الراكب من أنصار النظام، فأنا أُظهر له أنني مؤيد للنظام.. والحقيقة أنني أتقي شر الاثنين، وانتزع منهما لقمتي بالحلال لأطعم أسرتي».

في مارس 2015 اندلعت الحرب، وتقلصت إمدادات النفط إلى العاصمة، وهي مدينة مكتظة، عدد سكانها يتجاوز المليوني نسمة، وتجوب شوارعها أكثر من ربع مليون سيارة.. واضطر سائقو السيارات إلى انتظار دورهم في محطات الوقود لأيام، وربما لأسابيع..!

بات العمل على سيارة تاكسي نوعاً من التعذيب الذي لا مفر منه، فهو قد يحصل على بترول يكفيه للعمل يومًا واحدًا، ثم يخسر عدة أيام في طابور طويل جداً عند إحدى محطات الوقود، وإذا كان حظه سيئًا فقد ينفد الوقود من صهاريج المحطة قبل أن يصل إليه الدور.

وبرغم هذه الصعوبات فإن (منصور) ظل صامدًا، رغم أن العمل لم يعد مربحًا بحسب قوله.

سألته لماذا لم يحاول الحصول على وظيفة حكومية؟.. فقال: إنه حاول مرارًا وتكرارًا، ولم يفلح.. وإن السماسرة عرضوا عليه درجة وظيفية مقابل دفع مبالغ كان في مقدوره دفعها، ولكنه رفض – من حيث المبدأ – دفع رشوة لنيل درجة وظيفية.

في ديسمبر 2016 قرر (منصور) أن يركن سيارة التاكسي بقرب باب بيته، وأن يبحث له عن مهنة أخرى.. سألته عمّا إذا كان الارتفاع الأخير في أسعار البترول هو السبب، فهز رأسه نافيًا، وقال: إن السبب يعود إلى تردي الحالة الاقتصادية للناس، وضآلة ما بيدهم من مال.. وأضاف: إن معظم الركاب لم يعودوا قادرين على دفع مبالغ تعادل قيمة المشوار.

يعمل (منصور) منذ بداية العام 2017 في محل قطع غيار للهواتف الجوالة.. حيث قال: إن الراتب الذي يتقاضاه أدنى مما كان يجنيه من التاكسي في الأعوام السابقة قبل نشوب الحرب، ولكنه أفضل من البقاء في البيت عاطلاً عن العمل.

سألته إن كان يفكر في بيع التاكسي؟.. ردّ مبتسماً ابتسامة عريضة: «لا.. ولكنني آمل أن تتحسن الأحوال وأعود للعمل عليه».

   
 
إعلان

تعليقات