Accessibility links

إعلان
يقف البائع قائد بعربته الجوالة كل يوم على ذات الرصيف لمدة تصل إلى 12 ساعة يبيع فيها السجائر والشكولاتة.. وبالكاد يحصل منها على ما يسد رمق عائلته التي تسكن في قرية بعيدة عن صنعاء، وتعتمد على ما يرسله إليها.. يقول: “أرسل إليهم كل أسبوع أربعة آلاف ريال، وأحيانًا خمسة آلاف.. حسب البيع”.

صنعاء – «اليمني الأميركي»:

وكانت منظمات دولية أعلنت – مؤخرًا – مؤشرات تقول إن 70 بالمئة من اليمنيين صاروا يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، إلا أن عائلة قائد البائع المتجول، وهي مكونة من زوجته وأبنائه الأربعة، يعيشون، جميعًا – على أقل من دولار واحد في اليوم، ما يؤشر إلى أن الوضع الإنساني في اليمن أسوأ بكثير من مؤشرات منظمات الإغاثة؛ فالبلد صار على شفا مجاعة ستكون الأسوأ في تاريخ العالم المعاصر وفق الأمم المتحدة.. الأمر الذي يصبح معه إيقاف الحرب هناك أولوية قصوى، وهو ما أكدت عليه تصريحات أميركية وبريطانية وأممية، مؤخرًا، وهو ما اعقبه دعوة الأمم المتحدة لمفاوضات (يمنية – يمنية).. إلا أن الأمم المتحدة أعلنت لاحقًا تأجيل المفاوضات إلى نهاية العام، ما يؤكد أن أمد الحرب سيطول ، وكأن الموقف الدولي لم يصل بعد إلى قناعة بضرورة إيقاف النزيف اليمني.. وهو ما يؤكده صمت تلك الدول عن التصعيد العسكري في عدد من الجبهات في اليمن عقب الإعلان عن جولة مفاوضات جديدة، وكأن الأطراف المتصارعة ترى أن الاستعداد للسلام المرتقب لن يتم إلا بارتكاب مزيدٍ من الانتهاكات في سياق السعي لتوسيع نطاق السيطرة بما يعزز الموقف التفاوضي… وهنا – بلاشك -يتحمل العالم مسؤولية الصمت ويتحمل التحالف بقيادة السعودية مسؤولية استمرار القتل والخراب، ويتحمل أطراف الصراع مسؤولية جر اليمن إلى الهاوية. إن ما تعيشه الحديدة اليوم يكشف بشاعة الحرب هناك، حيث قد تشهد المدينة نفس مأساة حلب أو الموصل.

كما أن التصعيد المستعر في حرب اليمن في أكثر من جبهة وبخاصة في الحديدة يؤكد أن تصريحات المواقف الدولية في وادي والحرب في وادٍ آخر؛ ذلك أن الحرب تمضي دون توقف في القتل والدمار، وكأن المواقف الدولية تلك ليست سوى لامتصاص الغضب الإنساني إزاء دعم تلك الدول للحرب التي يدفعها ثمنها اليمن كل دقيقة من دم أبنائه وما تبقى من مقدرات قوته ووحدته واستقلاله.

السؤال الذي يطرح نفسه إزاء كل ذلك: هل الحرب في اليمن تمضي نحو الحسم أم نحو التسوية، أم نحوهما معا؟…هنا يتحدث يمنيون مجيبين عن السؤال..

الحل السياسي.. بعيد

الكاتب والأديب اليمنيّ هشام مُحمّد يقول: «في الواقع إن وقف الحرب هو المطلب الأهم على المستوى الإنساني، ولا اعتقد بقرب الحل السياسي في اليمن، لعدد من الأسباب والمعطيات والمؤشرات، أهمها: عدم وجود إرادة حقيقية لتقديم التنازلات، ووجود اللاعبين الدوليين بشكل سلبي لا يدعم الوصول إلى تفاهمات تؤدي لوقف الحرب، ولا يُمارس الضغط على الأطراف للتوافق على تفاهمات، وإن وجدت بعض الضغوط أحيانًا فهي تكون بناء على ما تمليه مصالح اللاعبين الدوليين، وهي في جوهرها عبارة عن ابتزاز سياسي لا أكثر، وذلك يزيد من طول أمد الحرب».

توقف الحرب 

مروان – خريج جامعي، يعمل على دراجة نارية اشتراها بعد عام من الحرب ليتمكن من خلالها إعالة زوجته وطفليه.. يتحدث عن الحرب غير مبالٍ بما ستؤول إليه، «بسبب الحرب وما تجرعناه منها كل هذه السنوات لم نعد نهتم بما ستنتهي إليه.. لم يعد هناك سوى الموت، وهذا لم نعد نخاف منه؛ لأننا شبه أموات وإن كنا أحياء».

وبعد أن سكت وأشعل سيجارته التي تبدو أن ماركتها رخيصة.. استأنف حديثه: «كلنا نريد توقف الحرب بأية طريقة، لكن لم يعد يهمني سواء حسموها أم اتفقوا على حكمنا أو فتتوا البلاد.. فماذا أعطانا هذا الطرف أو ذاك.. لم يعطونا شيء سوى الحرب والدمار».

لا بد من تسوية

عبدالله صالح، رجل سبعيني يملك مخبرًا، وسط العاصمة صنعاء، أعرب عن الحزن مما تتجرعه مدينة الحديدة من ويلات العمليات العسكرية التي تتمدد في شوارع المدينة وإزاء كل دم يمني ينزف في أرجاء بلاده، بالإضافة إلى ما يشاهده يوميًّا من إفقار وتجويع للناس، وكأن ذلك مقصود، وفي المقابل لم يعد مهتمًا بشأن المفاوضات، «ما يهمني هو أن تتوقف الحرب؛ لأن الحياة صارت جحيمًا، وكل يوم تزداد أوضاع الناس سوءًا، وهناك من كانوا من الميسورين صاروا اليوم لا يجدوا ما يسد رمقهم من الخبز، وغيرهم خرجوا للتسول.. الوضع لا يُحتمل».

صعوبة

مما سبق يتضح جليًّا مدى الإحباط الذي وصل إليه اليمنيون في ظل ما يعيشوه من معاناة تحت نير الحرب التي اكتشفوا فيها مدى إصرار أطرافها على السير بالبلاد نحو المجهول، وفي ذات الوقت يعرفون مدى ضعفهم في اتخاذ موقف رافض؛ لأنهم في ذات الوقت لا يجدون حبل نجاة يعتقدون بصلاحيته لإنقاذهم مقابل رفضهم لطرفي الصراع وإنْ بنسب متفاوتة.. لكن الوضع هناك يبقى قاتل لكل إمكانات التغيير الشعبي ما يجعل اليمن تسير ببطء في طريق طويل نحو التغيير كما يرى أحدهم متشائما.

   
 
إعلان

تعليقات