Accessibility links

محمد الأهدل..هكذا كانت الرحلة وهكذا كان الموت!


إعلان

صنعاء- « اليمني الأميركي»- محمد الأموي:

تعكس قصة وفاة الإعلامي اليمنيّ الواعد محمد الأهدل، غرقاً في عرض البحر، خلال رحلة هجرة غير شرعية إلى أوروبا، صورة قاسية لمأساة الحرب في بلاده، والتي ألقت بتداعياتها على كافة فئات الشعب، بمن فيهم الشباب الذين يعانون أوضاعًاً صعبة.. فمثل محمد عديد من اليمنيين مازالوا يفقدون حياتهم خلال محاولاتهم الهجرة هرباً من الحرب سواء عبر الحدود البرية أو عبر البحر.

حتى عمل محمد الأهدل (25 سنة) في السعودية فقد خسره ضمن إجراءات سعودة الأعمال هناك… الأمر الذي دفعه لاتخاذ قراره بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.. فما الداعي لبقائه هنا بعد أن ضاق البلد الجار بأبناء بلد الحرب الشقيق؟! وماذا تبقى والحرب في بلاده لم تترك فرصة للبدء فيه من جديد؟!… هنا قرر المخاطرة والهجرة.

يقول شقيقه عبدالرحمن: “حاولنا منعه من السفر نظرًا للمخاطر المحيطة برحلة كهذه والصعوبات التي سيواجهها في تنقلاته ما بين الصحراء والبحر وعبر عصابات التهريب، لكننا لم ننجح في إثنائه عن قراره، ثم عرضتُ عليه اطلاق مشروع وتكفلي بكل شيء، لكنه رفض”.

السعودية، موريتانيا، مالي، الجزائر 

مع الفشل في إقناعه بالعدول عن قراره غادر محمد السعودية نحو موريتانيا التي وصلها في نهاية 2018م ليدخل من خلال مهربين إلى مالي ثم الجزائر حتى وصل إلى “ولاية تمنراست” بصحبة أحد المهربين ومعه عدد من المهاجرين، وهناك قبضت الشرطة الجزائرية عليهم ووضعتهم في الحجز لمدة شهرين.

يقول علي عاطف، وهو أحد طلاب الطب اليمنيين في جامعة وهران الجزائرية: “وصلني اتصال منهم، ولا أدري من أعطاهم رقمي.. لأقوم أنا بالاتصال بالسفارة اليمنية التي أرسلت مندوبها إلى مكان الحجز فتم إطلاق سراحهم مع منحهم تصريح سفر إلى العاصمة، وتواصلتُ مع بعض اليمنيين في العاصمة ليقوموا بالواجب معهم”..

هناك في الجزائر العاصمة مكث محمد وزملاؤه المهاجرون يترقبون موعد انطلاق رحلتهم إلى اسبانيا.. وخلال ذلك تفاجأوا بما لم يكن في الحسبان، وهو اختفاء المهرّب بعد أن استلم من كل مهاجر منهم مبلغ (2500$)، الأمر الذي زادهم إصرارًا على الهجرة؛ ففعلوا ما بوسعهم لتدبّر مبلغ آخر والبحث عن مهرّب جديد…وخلال شهر تقريبًا كان موعد المغادرة قد حان، في الثامن من شباط/ فبراير؛ وهو تاريخ آخر تواصل تم بين محمد وشقيقه عبدالرحمن، حيث قال له: “أنا مسافر، وإذا انقطعت عنك في أمان الله..”، فردّ عليه شقيقه: “أتمنى لك الخير والسلامة”.

رحلة الموت 

أخيرًا، انطلق القارب بالمجموعة، وكلهم مبتهجون بقرب وصول رحلتهم الشاقة إلى غايتها.. وبقدر ما كانوا ممتلئين بالفرح كانوا يرجون من الله أن يصلوا سالمين..

انطلق القارب في البحر عبر أحد شواطئ الجزائر، ولم تمر سوى ساعتين حتى أُصيب القارب بعطل، وفي أقل من ثلاث ثوانٍ، وفق مصادر هناك، كان جميعهم قد غرقوا في عرض البحر.. ارتفعت أصواتهم مذعورين من خوف مواجهة الغرق، باستثناء الشهيد محمد الأهدل الذي كان يراقب المشهد بهدوء، متكئًا على برميل مازوت، ولم يُصدِر صوتًا واحدًا كما فعل الآخرون.. لقد قاوم الخوف من الموت كما قاوم الخوف من الرحلة برباطة جأش تُميّز اليمنيين (قصة الغرق وفق رواية الزميل بشير سنان – رئيس الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي المنشورة في حائطه على فيسبوك، بتاريخ 27 شباط / فبراير الماضي).

الجثة 

انتهت حياة محمد غرقًا في مياه البحر الأبيض المتوسط؛ فبدأت معاناة جديدة لأسرته وأصدقائه لانقطاع التواصل معه؛ فبحثوا عن مصيره بمختلف الطرق.. ونتيجة تواصل مضنٍ قام به شقيقه والجمعية اليمنية للإعلام الرياضي عبر السفارة اليمنية في الجزائر، التي قامت بواجبها في متابعة السلطات الجزائرية، تم العثور على جثته في مستشفى مدينة تنس، بولاية شلف.

يقول على عاطف، الذي تلقى البلاغ بذلك: “ذهبتُ إلى مستشفى المدينة، وقابلتُ الجهات المعنية، وبعد إجازة نهاية الأسبوع رجعتُ إلى المستشفى، وحضر قائد الدرك الوطني (الشرطة)، وبعد التأكد من الجثمان ذهبتُ لإحضار تصريح من وكيل الجمهورية ليتم استكمال الإجراءات القانونية، واستخراج شهادة الوفاة وتصريح الدفن، واستلام أغراض المرحوم.. كل ذلك تم خلال اسبوع كامل”.

المهمة المستحيلة

بعد الإصرار الشديد من قِبل والديّ محمد الأهدل وأسرته على دفن الجثة في وطنه لم تجد الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي سوى تلبية طلبهم؛ فأجرى رئيس الجمعية، بشير سنان، اتصالاته، وخلالها تكفّل رجل الأعمال اليمني المقيم في الجزائر (أحمد الشيباني) بتكاليف التابوت ليتم نقل الجثمان إلى القاهرة، ومن ثم إلى مدينة عدن على نفقة شركة طيران اليمنية.. وفي عدن استقبل الجثمان شقيقه عبدالرحمن الذي وصل من السعودية، فيما أكمل إجراءات استقبال الجثمان خالد الخليفي – مدير عام العلاقات بوزارة الشباب والرياضة، ورئيس اتحاد السباحة، كما تكفل بنقل الجثمان من عدن إلى صنعاء عبر سيارة مخصصة لذلك الصحافي اليمني فتحي بن لزرق – رئيس تحرير (صحيفة عدن الغد)، ليصل الجثمان مساء السبت 9 آذار/ مارس إلى أسرته المكلومة، وتم دفنه الأحد 10 مارس في العاصمة صنعاء وسط حضور غفير من أهله وجيرانه وزملائه ومحبيه.. لتنتهي قصة حزينة لشاب طموح أراد تحقيق أحلامه بعد أن وجد وطنه جريحًا غارقًا في حرب ليس لنهايتها ملامح.

تمنى محمد منذ نعومة أضافره أن يكون رياضيًّا في لعبة كرة القدم فكان ضمن حراس المرمى لفريق البراعم في النادي الأهلي بصنعاء، والذي أصبح عضوًا فيه؛ لكن الإصابة المبكرة أجبرته على ترك كرة القدم التي لم يهجرها، بل ظل متمسكًا بها من خلال صفحته في موقع (فيس بوك)؛ فنشر فيها أخبار أنشطة الكرة اليمنية (لاعبين، مدربين، أندية، منتخبات) وكتب بعضًا من المقالات، كما أجرى حوارات، وحلل بعض المباريات للصحف والقنوات التلفزيونية.

   
 
إعلان

تعليقات