Accessibility links

فؤاد الفُتيح.. قراءة في الرؤية الثقافية للتجربة الفنية


إعلان
إعلان

“اليمني الأمريكي” –  أحمد الأغبري

منذ السبعينيات تجلت علاقته واضحة وقوية باللوحة؛ وهي لوحة يمنية ذات هُوية خاصة…وعلى الرغم من أن تجلياتها الأولى كانت في الغرب إلا أنها لم تقع في غوايات الحداثة؛ فقارب منذ تلك البدايات الأوروبية، إن جاز وصفها كذلك، بين تقنيات المدرسة الغربية واستنطاق خبايا موضوعات بيئته المحلية وفق رؤية تجلت من خلالها ماهية علاقته بالأصالة والمعاصرة؛ فجاءت لوحة فؤاد الفُتيح (1948) مختلفة؛ وهو الاختلاف الذي ظل يتشكل ويتطور لأكثر من أربعة عقود برز من خلالها الفُتيح فنان اللون والنحت اسماً مضيئاً ضمن جيل التأسيس في التشكيل اليمني.

منذ رسوماته الأولى بالحبر الصيني تجلت للفُتيح شخصية فنية خاصة، ومن خلالها ظهرت تجربته ولوحته الخاصة التي تشكلت ملامحها مبكراً… ويعزو الفُتيح، نجاحه المبكر إلى التحاقه بأكاديمية “دوسلدروف للفنون الجميلة” بألمانيا …  وما أتاحته له من الاحتكاك والتدرّب على أيدي مُدرِسين كانت أسماؤهم ضمن الموسوعات الفنية العالمية…على الرغم من دراسته وإقامته في الغرب لسنوات   (أقام أول معرض تشكيلي له خارج اليمن خلال دراسته في ألمانيا عام  1973م) إلا أنه بقي محافظاً على هُويته في لوحته… ويعتقد الفتيح أنه لم يتخل عن شعوره بالغربة، وهو يعيش في عالم آخر وحضارة أخرى… وهو الشعور الذي جعله يرتبط بهُويته وبحضارة بلاده من خلال رسم ذكريات طفولته… وهي الأعمال التي نجحت، خلال مشاركته في عدد من المعارض الأوروبية. ومنحه الرسم بالحبر الصيني، في تلك البدايات، إمكانية المواءمة بين الأصالة والمعاصرة بروح جديدة… وخلال تلك البدايات ظل الفُتيح باحثاً عن اللون من خلال الرسم بالأسود؛ وهو الأسلوب الذي مكّنه من رسم التفاصيل الدقيقة؛ وهي الدقة التي رافقته في تحوله -لاحقاً – إلى الأعمال الملونة.

درس فؤاد الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة والاقتصاد والسياسة في جامعة بغداد ونال دبلوم في الفنون التشكيلية في ألمانيا، وعقب عودته إلى بلاده عُين أول مدير عام للفنون التشكيلية بوزارة الثقافة، وأسس أول صالة للفن التشكيلي بصنعاء خلال الثمانينيات، كما أفتتح أول مركز وطني للفنون بصنعاء القديمة في التسعينيات بتمويل يمني ودعم ألمانيا، وهو المركز الذي زاره المستشار الألماني السابق شرودر ورئيس البرلماني الألماني.

استطاع في تجربته اللونية حتى نهاية القرن العشرين أن يحقق خطوات متقدمة في علاقته بثقافة المحيط واستلهام خصوصيتها، وهو ما مثل تطويراً لبدايات مبكرة في علاقته بالتراث والاشتغال على الهُوية، ولعل بداياتها تشكلت بوضوح في ثمانينيات القرن الماضي؛ وهو الاتجاه الذي تبلور مكتملاً فيما بعد في إعادة اكتشاف باطن المنظور التراثي المستند إلى التأريخ من خلال اللوحة الجديدة.

علاقة الفُتيح بالتاريخ والتراث تعود إلى خلفيته الثقافية واهتمامه بالآخر وانفتاحه عليه من خلال وعي ثقافي بخصوصية بلاده، وما يمثله من مجال خصب لإعادة اكتشافه تشكيلياً.

وكان الفُتيح قد تنقل صبياً ويافعاً بين مناطق يمنية كثيرة بصحبة والده الذي كان موظفاً في الجمارك …هذه الرحلات والتنقلات كان لها تأثيرها في اثراء مخزونه المعرفي والجمالي.

ما يلفت الانتباه في أعمال الفُتيح التجريدية هو محاورته التعبيرية الرمزية لشخوص لوحاته من خلال استلهام خصوصية المكان والتاريخ…ولعله استفاد، كما سبقت الإشارة، من تجربته في الرسم بالحبر الصيني في العناية بالتفاصيل؛ وهي ما عكست نفسها واضحة في تجربته اللونية؛ ولهذا نجده يهتم كثيراً بوجوه الشخوص؛ فيولي تفاصيلها عنايته.

على الرغم من أن فؤاد توقف أو غاب عن فن النحت إلا أننا نجد فؤاد النحات يظهر عنوة في أعماله المرسومة التي تظهر وكأنه يتعامل معها كنحات بجانب كونه رسام، فتظهر اللوحات كمنحوتات زيتية ومائية…

يرسم الفُتيح بطريقة خاصة، وهو ما يبدو في تعامله مع الألوان والأشكال …والتي تقترب كثيراً من تراث الفن العربي والإسلامي، وبخاصة فيما يتعلق بالنقوش والحروف الموجودة في العمارة اليمنية … وأشكال يستوحيها الفنان بطريقة غير مباشرة من التاريخ اليمني القديم ويستلهم منها ويضعها في لوحاته بتلقائية، لكنها تتموضع في مكانها الرؤيوي ضمن نصه البصري.

   
 
إعلان

تعليقات