Accessibility links

عدنان جُمّن.. وحكايته مع الحرب من المَرسم إلى المطعم


إعلان

“اليمني الأمريكي” زارت مشروع أكل بيتا بصنعاء

 

        “أكل بيتنا” ليس مجرد اسم لمطعمٍ صغير في صنعاء، بل عنوان لحكاية يمنية بطلها فنان تشكيلي وزوجته خاضا معاً معركة (العيش الكريم) ضد الفقر والعوز   بعد انقطاع المرتبات الحكومية وتأزم الأوضاع المعيشية جراء الحرب في البلاد… حيث لم يكن أمام هذين الزوجين حفاظاً على عائلتهما سوى انتهاج سبيل جديد من سُبل ( الكد الشريف)؛ فكانت تجربتهما، التي تجاوزت مَرسم الزوج إلى مطبخ الزوجة لتتحقق في مطعمٍ مختلف.

 

صنعاء – “اليمني الأمريكي” – أحمد الأغبري

تبرز قصة هذا المطعم، بعد شهور قليلة من خروجه للناس، كبقعة ضوءٍ في عتمة المأساة اليمنية الناجمة عن الحرب المستمرة في التهام أبناء ومقدرات هذا البلد.

وتسببت الحرب في اليمن، منذ أكثر من عامين، بمقتل أكثر من عشرة الاف معظمهم نساء وأطفال بالإضافة إلى تدمير معظم إمكانات البنى التحتية وتهديد عشرة ملايين مواطن بخطر المجاعة وانتشار كثير من الأمراض والأوبئة أبرزها سوء التغذية الحاد ووباء الكوليرا الذي تسبب في موجته الثانية بوفاة نحو الفين وإصابة نحو نصف مليون شخص حتى أغسطس/آب في مؤشرات كارثية غير مسبوقة عالمياً في القرن الحالي…بل أن أرقام الألم اليمني قد دفعت منظمات دولية لترفع صوتها، مؤخراً، وتعلن أن معاناة اليمن باتت المأساة الأكبر في العالم… وعلى الرغم من هذا مازالت مراكز القرار في العالم تغلق حواسها عن سماع أنين أو مشاهدة نزيف أفقر بلد في الشرق الأوسط.

عدنان جُمّن، وهو ثاني فنان كاريكاتير عرفته بلاده، أمضى نحو أربعة عقود من عمره بصحبة أقلامه وفُرشاته وألوانه… ولم يتوقع يوماً أنه سيتجاوز لوحاته ويعمل مع زوجته في مجال جديد كهذا من أجل تأمين احتياجات المعيشة في مرحلة عطلت فيها الحرب معظم أشكال الحياة في بلاده الذي يشهد صراعاً إقليمياً ببيادق محلية.

بعد أن أغلقت الحرب كل الدروب المتاحة لتجربته الإبداعية كرسام كاريكاتير وفنان تشكيلي ومصمم جرافيكس… لاسيما وقد وصلت به الحال، كغيره من اليمنيين، إلى العجز عن تسديد إيجار السكن ودفع غيرها من التزامات حياة عائلته…كان لابد لعدنان من التحرك باتجاه عمل جديد وشريف يحمي عائلته من الفاقة؛ فاستقر تفكيره في مشروع تمحورت فكرته في بيع طبق طعام يومي من مطبخ منزله تنجزه زوجته بمهارتها المشهودة في طبخ الأكلات العدنية؛ وهو المشروع الذي أعدّ له عدنان بعناية، متحدياً عراقيله ومخاوفه… ليفاجأ الوسط الإبداعي اليمني بحملة ترويجية على حائطه في موقع ” الفيسبوك”، باسم مشروعه الجديد” أكل بيتنا”؛ وهو اسم له دلالته؛ فالطعام هو طعام منزلي وبنظافة مطبخ عائلي وبنكهة وخصوصية الطعام العدني، هكذا يتحدث عدنان عن مشروعه.

لقد اعتمد المشروع نظاماً مختلفاً؛ إذ له جدول أسبوعي منشور الكترونياً، ولكل يوم طبق مختلف موضح ازاءه خصوصيته وسعره… وعلى من يرغب الاتصال هاتفياً ليطلب ما يحتاجه لتجهيزه قبل أن يأتي في الظهيرة لاستلام طلبه من منزل عدنان.

عند انطلاق المشروع بهذه الآلية، لم تكن ميزانيته الاجمالية سوى مائتي دولار أمريكي استدانها عدنان وأشترى بها بعض أواني الطبخ بالإضافة إلى متطلبات أخرى، ولعلها لم تكن سوى متطلبات طبخ طبق اليوم الأول…

من اليوم الأول حالف المشروع النجاح؛ فتوالت الأيام والأطباق حتى أصبح مطبخ المنزل غير قادر على استيعاب الطلبات المتزايدة؛ وأصبح بذلك في حاجة ماسة للخروج من مطبخ المنزل إلى مطعم صغير؛ وهو ما واجه معه عدنان مشكلة تمويل التأسيس… وكما يقول فقد استطاع تجاوز تلك المشكلة من خلال استدانة وفرها له أحد أصدقائه أيضاً… وبالإضافة إلى ما كان قد وفره فقد استطاع عدنان من خلال مليون ريال يمني؛ أن يخرج بمطعم “أكل بيتنا” إلى النور في مكان صغير ضمن طابق أرضي من مبنى في شارع فرعي بحي حدّة بصنعاء.

واجه المشروع مشكلتين: الأولى هي خروجه للناس بنظام مختلف؛ وهو نظام الطبق اليومي الوحيد لوجبة الغداء؛ فيما اعتادت الناس أن تلبي المطاعم احتياجاتهم المتنوعة، أما المشكلة الثانية فكانت في انتشار عدد كبير من المطاعم الفاخرة بالقرب منه…وهو ما جعل من افتتاح المطعم محفوفاً بمخاوف؛ لكنها كانت مغامرة لابد منها؛ إذ لا خيار آخر.

بعد شهرين تقريباً على تدشين المطعم زارته صحيفة اليمني الأمريكي، لتجد حاله قد انتظم، كما استعاد عدنان ابتسامته، بعدما تجاوز مشروعه كل العراقيل … ويعزو عدنان ذلك إلى ما تميز به مطعمه من نظافة وطبخ عدني تجيده (ست البيت) التي تحملت مسؤولية إنجاز الطبق اليومي بكل تفاصيله داخل المطبخ تساعدها فتاتان فيما يتولى هو توفير المتطلبات وإدارة خدمات الزبائن في صالة الطعام بمساعدة موظف خدمات.

على الرغم من العناء الذي يتكبداه كل يوم إلا أنهما عندما يجدان في المساء أن ما جنياه يؤمن لهما متطلبات عائلتهما يهون ذلك التعب فيواصلا حكايتهما كل يوم   بدءاً من الساعة الخامسة صباحاً.

ينتمي عدنان فنياً إلى جيل الوسط في المحترف التشكيلي اليمني، وقبل ذلك ينحدر من عائلة عدنية فنية اشتهر منها فنياً بالإضافة إليه أخواه: الفنان الراحل شكيب جُمّن والفنان عارف جُمّن.

انتقل عدنان إلى صنعاء في الثمانينيات بعدما كان قد برز في عدن ضمن أهم فناني الكاريكاتير. على مدى تجربته، التي شهد خلالها أحداث حرب 1986م وحرب صيف 1994؛ لم يتوقع عدنان يوماً أنه سيعيش مع بلاده هذه المرحلة وهذه الحرب وهذه المعاناة وهذا العمل الذي يضعه في مواجهة يومية مع الناس بمختلف طباعهم ولا هدف له منه سوى حماية حياة عائلته في مواجهة تداعيات الحرب.

   
 
إعلان

تعليقات