Accessibility links

إعلان

بقلم: عبدالباري طاهر

منذ استقلال السودان 56 والصراع محتدم بين الانقلابات العسكرية: 58 انقلاب عبود، و69 انقلاب النميري، ثم انقلاب البشير والجبهة القومية الإسلامية – الترابي- في 89.

الانتفاضات الشعبية والصراع هو الملمح الأبرز، والسمة الرائسة لتاريخ السودان المعاصر. فانتفاضة الأربعاء الماضي 18 ديسمبر هي استمرار للانتفاضات السابقة في: 64، و87، وما تلاها من انتفاضات وإضرابات ومظاهرات واعتصامات مدنية تُقمع حيناً، وتُتوج بإسقاط السلطة في أحايين أخرى.

الهبات الشعبية تطبعُ تاريخَ السودان المعاصر، وعندما تقمع الانتفاضة أو تفشل فإنها تراكم تجربة وخبرة لِهبَّة قادمة.

لم تكن الانقلابات العسكرية: 58، و69، و71، و89 معزولةً عن الصراع السياسي بين الأحزاب السياسية، واتجاهات الطائفتين: الختمية، والأنصار.

الديمقراطية الشكلانية وفشلها، أو بالأحرى تفشيلها من قبل القوى التقليدية والمحافظة- ليست معزولةً أيضاً عن هذا الصراع.

ربما كانت الطائفتان الكبيرتان: الختمية، والأنصار، إضافة للإخوان المسلمين لاحقاً هي أشدَّ الاتجاهات السياسية إعاقة للديمقراطية، والتنمية، والتحديث، وأكثرها ركوباً لموجات الانتفاضات المتكررة، وتعطيلاً لمسارها.
صراع الشمال والجنوب ساهم في عسكرة الحياة في السودان، وكان النميري وانقلاب 69، والجبهة القومية بزعامة الترابي، وانقلاب البشير أخيراً هي أكبر كوارث الحياة العامة في السودان؛ فقد عسكرت الحياة، وسودت العنف عبر بيوت الأشباح، والإعدامات الكاثرة، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على المسيحيين والوثنيين العراة.

النميري والبشير والترابي والجبهة القومية هم أكثر الأطراف جنوحاً لـ”أسلمة” الحياة السياسية، وصبغها بطابع العنف. فقد قتل البشير 28 ضابطاً خلال محاكمات لم تستمر أكثر من بضع ساعات في العام90، كما قتل الترابي الداعية الإسلامي “المجدد”- زعيم الحزب الإسلامي الجمهوري- محمدَ محمود طه بأحكام سبتمبر 1985 متهماً إياه بالردة.

أنكر الترابي- فيما بعد- وجود حكم ردة في الإسلام، كما أفتى بكفر المرغني؛ لتوقيعه “اتفاقية أديس” السلامية مع جون جارنج عام 1988.
انتفاضة الخبز الرابعة انطلقت من عطبرة ولاية نهر النيل، وود مدني وسط السودان، أي من الريف باتجاه المدينة، وهو ما حصل أيضاً في ريف سوريا في ثورة الربيع العربي؛ فقد انطلقت الثورة الشعبية من درعا وأرياف دمشق في 2011.
السر في انطلاق العديد من الثورات من الأرياف أو المناطق المنيعة هي البعد عن المركز؛ حيث الثقل الأمني للحكم. فالثورة الصينية، ومسيرة الألف ميل التي قام بها الزعيم الصيني ماوتسي تونج ابتدأت من الريف، وهذا ما حصل أيضاً في ثورة الجزائر، وكوبا، وجنوب الوطن.
لا شك أن لعصبيات ما قبل عصر الدولة دخل في ذلك، ولكن الأهم ضعف حضور الدولة وأجهزتها، وغياب التنمية في مناطق الريف، وهو ما نشاهده في ثورة السترات الصفراء في فرنسا. فالتفاوت بين الريف والمدينة، وغياب العدالة في التنمية والتحديث حاضرة في كل الثورات الحديثة.

مثلت الانقلابات العسكرية في السودان، والحرب بين الشمال والجنوب فيها، والحرب ضد دارفور، وإشعال الفتن والصراع- قطعاً للتطور السلمي الديمقراطي، والبناء والتنمية والتحديث؛ بقدر ما كانت المشجب الذي تعلق عليه السلطات التقليدية عجزها عن بناء الدولة والتنمية والتحديث.

عملت الجبهة القومية الإسلامية- منذ انقلاب البشير والترابي- على تصعيد الحروب ضد الجنوب، ودارفور، وجبال النوبة (كردفان)، وصادرت الحياة العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير(الحريات الصحفية)، وصولاً إلى كارثة انعدام الخبز في بلد يعتبر سلة غلال أفريقيا، و يتمتع بثروات هائلة، ويتبوأ مكانة عالية في التمدن والتحضر والقيم الإنسانية الرفيعة في التسامح والتعايش.

خلال أقل من أسبوع من انطلاق الاحتجاجات المدنية (ثورة الخبز) تحدثت منظمات إنسانية، ووكالات أنباء عن 37 قتيلاً وعشرات الجرحى، أما رد البشير فيكون عبر الالتقاء بأجهزة القمع الموروثة من الجبهة القومية الإسلامية، وإطلاق يدها في قمع هذه الاحتجاجات السلمية، واتهام المحتجين الجياع بالعمالة والخيانة والارتزاق، ثم وعوده الكاذبة –طبعاً- بالإصلاح بعد حكم ثلاثين عاماً .

الأفق المفتوح أمام الهبة الشعبية السودانية الواعدة بالعصيان المدني إما أن يُكتب له النجاح في الإطاحة ببهلوان السودان- البشير-، ونظامه القمعي والدكتاتوري، أو أن يراكم خبرة جديدة لانتفاضة قادمة؛ فخبرة الشعب السوداني في انتفاضات متكررة، إما أن تنجح، أو تؤسس لانتفاضة أقوى وأشد وأنجح.

   
 
إعلان

تعليقات