Accessibility links

الطبيب الذي صار رائد أعمال: أحاول تطوير مشاريعي الناشئة وتسويقهـا لتصل إلى عدد كبير من الدول النامية


إعلان
تُمثّل تجربة الشاب والطبيب عادل صلاح (1981) أنموذجًا للنجاح العابر للصعوبات؛ إذ استطاع هذا الشاب أن يُشكّل قناعاته، ويقبض بيديه على مشروعه الخاص، متجاوزًا مؤهله خريجًا في كلية الطب، ليعيد اكتشاف قدراته بعد التخرّج؛ فاستعد لتجربته الجديدة من خلال دراسة الماجستير، والعمل مع عدد من المنظمات الدولية، وصولاً إلى افتتاح مؤسسته الخاصة ذات العلاقة بالتنمية والاستجابة الإنسانية، وإطلاق عدد من مشاريعه في تطوير التطبيقات وعمل المنظمات وقدرات الشباب في كتابة التقارير ومقترحات المشاريع، ولاستيعاب عدد كبير من الشباب في مجالات التأهيل يعمل حاليًّا -كما يقول- على تأسيس جامعة الملكة بلقيس..

صنعاء – «اليمني الأميركي»- أحمد الأغبري:

كل هذا يعمل عليه في بلده اليمن، حتى يمكن أن نعدّه من أهم رواد الأعمال الشباب بصنعاء خلال المرحلة الراهنة. وعلى الرغم من ظروف الحرب، لم يفكر هذا الشاب – للحظة – في الهجرة.. هنا نقرأ حكايته وجهًا يمنيًّا يحفر في الصخر من أجل صناعة النجاح ضمن دائرة من الابتكار والمنافسة..

تغيّرت قناعاتي 

تخرج عادل عام 2008م في كلية الطب بجامعة صنعاء، لكنه منذ تخرجه لم يكن يفكر أن يعمل طبيبًا؛ فسيرته الذاتية العامرة تخلو من العمل في الطب، والسبب أنه التحق ببرنامج تدريب القيادة العالمي في إحدى الجامعات الأميركية، وخلال تلك المشاركة تغيّرت قناعاته وانصرف عن ممارسة الطب…يوضح لصحيفة «اليمني الأميركي»: «بعد تخرجي في كلية الطب عام 2008م، حصلت على عمل مباشرة في إحدى المنظمات، والتي عملت لديها على إدارة المشاريع الطبية لسنوات عدة، ولكن نتيجة لمشاركتي في برامج تدريب القيادة العالمي في جامعة «كونيتيكت»، في الولايات المتحدة، عام (2009-2010م) تغيرت قناعاتي، وأدركتُ أن مشاكل العالم ليست كلها في الصحة، وأن هناك مشاكل أكبر في المياه والصرف الصحي والغذاء والحماية قد تكون أكثر أولوية من قطاع الصحة؛ وهذا ما جعلني أقوم بتغيير تخصصي ودراسة ماجستير التنمية الدولية والنوع الاجتماعي بجامعة صنعاء، خلال (2012-2014م).. ولهذا لم أعمل كطبيب في المستشفيات – للأسف؛ لانشغالي الشديد في كل الأعمال التي توليتها منذ تخرجت»..

آفاق 

منذ تخرجه انشغل عادل بعددٍ من الأعمال خلال تنقله بين عدد من المنظمات الدولية، وعلى ما يبدو أن العمل لدى المنظمات قد فتح له آفاقًا حوّلت مجرى حياته المهنية…وهنا يؤكد: «أن العمل مع المنظمات وفّر لي فرصة العمل جنبًا إلى جنب مع صانعي القرار التنموي والإغاثي على مستوى المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الكبرى المحلية والدولية، ومنظمات الأمم المتحدة وفي قطاعات رئيسة مثل الغذاء وسبل المعيشة والصحة والتعليم وبناء السلام وغيرها، ومررتُ بتجارب كبيرة تعلمتُ من خلالها العمل باحتراف وانسجام مع الخبراء المحليين والدوليين، وهو الأمر الذي أدركتُ – من خلاله – أن عملي سيساعد مئات الآلاف من الناس أكثر من كوني طبيبًا أعمل بشكل منفرد لمعالجة عدد قليل من المرضى كل يوم».

محطات 

وفي كل محطة من محطات عمله لدى المنظمات كان عادل يكتسب مهارات استفاد منها على صعيد صناعة نجاحه الذاتي..

«بعد تخرجي من كلية الطب، وضعتُ لنفسي سيرة ذاتية بسيطة، وبدأتُ في التقديم للوظائف التي يُعلن عنها في الصحف، وتم قبولي للعمل لدى جمعية رعاية الأسرة اليمنية كمسؤول للخدمات الطبية بسبب حصولي على مؤهل بكالوريوس في الطب، ولدي لغة انكليزية قوية.. تعلمتُ في الجمعية كتابة مقترحات المشاريع وحشد التمويل من المانحين وإدارة المشاريع ومتطلبات عمل المنظمات كبنية مؤسسية ومالية، والتعامل مع الناس في الميدان.. وبعد سنتين ونصف تم قبولي مديرًا لأحد مشاريع البنك الدولي، وكانت نقلة نوعية وكبيرة ساعدتني في تعلّم الإدارة بشكل أكبر، والتعامل مع أكثر من 50 موظفًا، والتخطيط، وعمل الموازنات لمشاريع كبيرة.. ولكن بسبب أحداث 2011م أعلن البنك الدولي توقيف كل مشاريعه في اليمن، فانتقلت للعمل في وظيفة مسؤول الإغاثة مع منظمة الصحة العالمية، وهناك تعلّمتُ آليات العمل الإغاثي، وكيفية التجهيز للتعامل مع الكوارث الصحية الكبرى، ولكن كانت قد تولدت لديّ قناعة بأهمية تنوع خبراتي، وألا انحصر في مجال الطب.. لهذا انتقلتُ للعمل كمسؤول للمناصرة في مشروع «استجابة»، التابع للوكالة الأميركية للتنمية، وهناك تعلمتُ التخطيط والإدارة لمشاريع الحكم الرشيد ومكافحة الفساد.. ثم انتقلت للعمل مسؤولاً للإغاثة في منظمة «أوكسفام» البريطانية، وتعلّمت هناك كيفية العمل مع فريق محلي ودولي أكثر خبرة واحترافًا.. وبعد ستة أشهر تم قبولي لدى نفس المنظمة مديرًا لبرنامج الحكم الرشيد، وانتقلتُث خلالها للعديد من المحافظات، وعملتُ مع عشرات المنظمات المحلية وشبكات منظمات المجتمع المدني» – يقول عادل..

المشروع 

ونتيجة ملاحظاته عن عمل تلك المنظمات قرر هذا الشاب الطامح تأسيس مشروعه “المؤسسة الوطنية للتنمية والاستجابة الإنسانية NFDHR”، والعمل على نظام “بورتال 365”، وتطبيقات الكترونية أخرى.. وهي المحطة التي تٌمثّل واجهته المهنية اليوم.. يوضح: «بسبب أحداث 2011م، لاحظتُ انهيار عدد من المنظمات المحلية الكبيرة، وعدم قدرتها على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة في البلاد.. ولذلك قمت بتأسيس المؤسسة الوطنية للتنمية والاستجابة الإنسانية في يونيو 2012م ووظفتُ شبابًا وشابات، ودرّبتهم، وعملتُث معهم على حشد موارد لتقديم خدمات إغاثية في العديد من مناطق النزاعات، وبسبب ثقة المانحين السريعة بالمؤسسة زاد حجم العمل، وزادت المسؤولية فيها، مما اضطرني لترك عملي بـ»أوكسفام»، والتفرغ لقيادتها.. خلال خمس سنوات، وتحديدًا بين عامي (2013-2017م)، قام فريق المؤسسة بالعمل على حشد ما يزيد عن (20) مليون دولار من أكثر من (15) مانحًا دوليًّا لتقديم خدمات إغاثية وتنموية، ووصلنا لأكثر من مليوني مستفيد في العديد من المحافظات، وبفريق وصل عدده – حاليًّا – إلى 1060 موظفًا»..

بالإضافة إلى عمل مؤسسة في مجالات إغاثية وتنموية تعمل – أيضًا – على تطوير قدرات المنظمات في ذات المجالات من خلال مشاريع الكترونية.. يوضح: «أسست «بورتال 365»، وهو عبارة عن نظام إلكتروني لإدارة المنظمات بطريقة حديثة لتحسين جودة أدائها وفعاليتها، وأقوم – حاليًّا – مع فريق البرمجة بتطويره، وتدريب عشرات المنظمات من عدة محافظات على كتابة مقترحات المشاريع، وحشد التمويل وإدارة المشاريع والمتابعة والتقييم والتخطيط الاستراتيجي باستخدام نظام «بورتال 365».. وبإذن الله سيساهم هذا النظام في تحسين وصول المنظمات التي تستخدمه لملايين من الناس في اليمن ودول العالم النامية.. كما نقوم مع عدد آخر من المبرمجين المحترفين بتطوير تطبيق ومنصة تُوفر نظامًا ماليًّا ومخازن للمنظمات والشركات الناشئة باسم «فايندآب FindApp”؛ لكي نساعد في رفع كفاءتها وتمكينها من العمل والوصول للناس والمانحين والمستثمرين في اليمن وخارجها”..

الصعوبات 

الاشتغال على أعمال كهذه في بلد يشهد حربًا مثّل تحديًّا كبيرًا لعادل.. “نعيش تحديات خيالية كل يوم، ولكن لدينا أهدافًا تفوق هذه التحديات.. نؤمن أننا سنصل إليها، وأنها ستساهم – بشكل كبير – في جعل حاضر ومستقبل اليمنيين أكثر عطاءً وإنتاجية.. نتعلم كل يوم من أخطائنا، ومن الصعوبات، ونحاول تحديث خططنا، وتجريب أشياء جديدة كل يوم، ورغم أن الأنظمة والتطبيقات لم تُحقق نجاحًا كبيرًا حتى الآن، إلا أننا واثقون أنها ستحل الكثير من المشاكل لمئات الشركات والمنظمات الناشئة؛ وهو ما سينعكس على حياة الملايين من الناس بشكل أفضل، وهذا دافع يكفينا للاستمرار وعدم الاستسلام، مهما كانت الصعوبات» – يقول عادل.

التدريب 

استطاع هذا الشاب أن يطوّر من قدراته وإمكاناته، وبخاصة في مجال التدريب من خلال مشاركته في عدد من البرامج التدريبية في الخارج؛ والتي أصبح من خلالها مدربًا في مجالات ككتابة مقترحات المشاريع وغيرها.. يقول: البرامج التدريبية والفعاليات الإقليمية والدولية التي شاركتُ فيها ساعدت في تغيير خططي باستمرار، وأدت إلى اتخاذ العديد من القرارات، وأهمها أنني على قناعة تامة أن اليمن يحتاج لجهود كبرى في بناء الأفراد والمؤسسات والاستثمار في تعزيز القدرات المؤسسية الفنية في مختلف القطاعات.. بالإضافة إلى أن التجارب الناجحة التي عشتها خلال العشر سنوات الماضية قد ساعدتني في تطوير عدد من البرامج التدريبية في كتابة مقترحات المشاريع، وحشد التمويل، ونتيجة للاحتياج الكبير لهذه التدريبات، استطعتُ بسهولة استقطاب أكثر من (250) متدربًا ومتدربة من معظم المحافظات اليمنية خلال الـ(6) أشهر الأخيرة، من خلال صفحتي الشخصية في «فيسبوك» فقط.. أرجو أن تكون هذه التدريبات فرصة لبناء مزيد من الكفاءات اليمنية، التي يمكن أن تعمل على زيادة استيعاب المساعدات الدولية التي تُقدَّم لليمن، ولا يتم إنفاقها – للأسف – سبب ضعف القدرات.. ما زال أمامنا طريق طويل وشاق لبناء قدرات مئات الآلاف من الشباب والشابات؛ ولهذا كان عليّ أن أُفكر بالبدء في تأسيس جامعة الملكة بلقيس؛ والتي أعمل – حاليًّا – على الإعداد لحشد الاستثمارات لها، والتسريع في جعلها واقعًا يُقدّم خدمات تعليم تكنولوجي ومهني متميّز، وتقديم مِنح مجانية للآلاف من اليمنيين واليمنيات مستقبلاً، بإذن الله».

رؤية 2040

لم يتوقف هذا الشاب عند ذلك؛ إذ أعلن، وعبر “فيسبوك”، أيضًا، عن كتاب يتضمن رؤيته لليمن حتى 2040.. وهذه الرؤية تُمثّل مشروعًا كبيرًا في نظر البعض من الصعب أن ينجزه شاب، وبمفرده.. يوضح: «عملتُ خلال السنوات الماضية على تطوير استراتيجيات كبيرة لعدد من المؤسسات المحلية والدولية، ومن واقع الخبرة أجد أنه من الأهمية صياغة خطة استراتيجية مزمّنة وواضحة لبناء اليمن للفترة من (2018 – 2040م)، وستكون عبارة عن كتاب أضع فيه خلاصة تجربتي في البناء المؤسسي وتعليمي الأكاديمي، وبشكل يساعد في فهم الناس وصنّاع القرار للمشاكل الحقيقية التي يمر بها اليمن حاليًّا، وكيف يمكننا أن نبني المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني بشكل مرحلي يُحقق نتائج مضمونة تُقلل من المخاطر التي يعاني منها الناس، وتزيد من الإنتاج، وتُحقق الحلم الذي يتمناه كل اليمنيين، والذي أرى أنه سيتحقق العام 2040م، إن اتبعنا كل الخطوات المقترحة بشكل جدّي».

برامج 

زار عادل عددًا من المؤسسات العلمية في دول غربية، وتربطه علاقات ببعضها، ويقول عن تلك الزيارات: “زرتُ العديد من المؤسسات العلمية في أميركا بالتحديد، وشاركتُ كميسر لبرنامج تدريب القيادة العالمي عام 2010م في جامعة “كونيتيكت”.. ولديّ كل الفرص للانتقال للدراسة فيها والعمل في العديد من المؤسسات الدولية، ولكن أجدُ أن نقل هذه التجارب للشباب والشابات في اليمن أكثر جدوى وفاعلية من ضياع الوقت في مؤسسات خارج اليمن.. توفر الجامعات الغربية برامج متميزة عدّة، لكن ما نحتاج أن نركز عليه في اليمن هو التعلّم من جامعة “ستانفورد” في كاليفورنيا، التي وفرت بيئة عملية وأكاديمية، ساهمت في إنشاء أكبر تجمع لعمالقة تكنولوجيا العصر، وتحولت إلى قِبلة للمبتكرين ورواد الأعمال من دول العالم.. ستحتاج اليمن إلى مؤسسات أكاديمية تُقدّم فرص تعليم وتدريب تكنولوجي تطبيقي يساهم في تطوير بيئة ريادة الأعمال، ويوفر حلولًا حقيقية مناسبة لكل مشاكل المجتمع”..

ويضيف، مفسرًا سبب عزوفه عن التفكير بالهجرة إلى خارج اليمن: “لا أجد أن هناك أي احتياج للهجرة والاستقرار خارج اليمن؛ لأني كنت محظوظًا في كل المرات التي قدّمتُ فيها للحصول على فيزا لزيارة أميركا وبريطانيا وألمانيا وتركيا، والكثير من الدول للمشاركة في برامج تدريبية، وتمثيل اليمن في فعاليات دولية وإقليمية خلال الأعوام الماضية.. كل هذه التجارب ساعدتني في فهم نوعية الحياة والفرص المتوفرة في العالم، وفي كل مرة أجد أن بقائي في اليمن يُعد أكثر فاعلية من الانتقال لدولة أخرى، وأني ببقائي في اليمن سأتمكن من الاستمرار في التعلم أكثر، وتقديم وتنفيذ أفكار وخطط أكثرُ جرأة وطموحًا.. من المهم الخروج من اليمن على الأقل مرة واحدة كل عام للتعرف على الأفكار الجديدة في أنماط الحياة والتكنولوجيا، وهو ما يساعدني في تحديث رؤيتي للأمور وخططي الشخصية والعملية، واتخاذ قرارت جديدة.. أحاول تطوير مشاريعي الناشئة وتسويقها لتصل لعدد كبير من الدول النامية، وسأضطر للخروج لفترات عدّة وزيارة دول مختلفة كل مرة لتسريع نمو هذه المشاريع وانتشارها، وهذا ما يجعل فكرة الهجرة والاستقرار بدول غربية غير وارد في حياتي”..

التحدي

ثمة عوامل ساعدت عادل على تحدي نفسه وتحقيق ذاته، من أهمها: «أنا أنظر للأمور، بقناعة تامة، أن الفرص أكثر من أن يحتكرها شخص أو جهة معينة، وأؤمن أن من لديه خطة ويعمل لتحقيقها كل يوم، سيصل لأحلامه لا محالة.. لكني – أيضًا – ونتيجة للعمل على حشد التمويلات خلال عشرة أعوام، تولدت لديّ قناعة أن فرصة الحصول على المال ليست أمرًا صعباً، ولكن الصعوبة في تحمّل مسؤولية إنفاقه على الناس بشكل صحيح.. لا توجد لديّ أي طموحات مالية شخصية، وخبرتي مع العمل في المنظمات الدولية والأمم المتحدة أكسبتني قناعات مفادها أن المهارات المتميزة هي المال الحقيقي الذي يمكن لأي شخص أن يفتخر بها.. لم أتردد يومًا في تعريف الآخرين بالفرص المتاحة ومساعدتهم للوصول إليها، ولم يحدث أن شعرت بأنه يجب أن أخبئ ما تعلمته لنفسي.. الفرص المتوفرة في هذا العالم أكبر من أن يخبئها شخص ما، وعلينا – جميعًا – أن ندفع لمزيد من بناء القدرات لكي يصبح الحاضر والمستقبل أكثر استقرارًا في مجتمعاتنا»..

   
 
إعلان

تعليقات