Accessibility links

إعلان

عبد الباري طاهر

درويش صنعاء.. نص إبداعي بامتياز، ولعله آخر عمل للدكتور الأكاديمي أحمد الصياد – سفير اليمن في اليونيسكو، وأحد المثقفين الوطنيين البارزين، وواحد من أبطال الدفاع عن صنعاء في أهم معارك الملكيين ضد الثورة والجمهورية (حصار السبعين).

كان الصياد واحدًا من أبطال الدفاع عن المدينة المحاصرة، فقد كان – حينها – ضابطًا ذا انتماء قومي يساري، انخرط – إلى جانب رفاقه – في الدفاع عن صنعاء وعن الثورة والجمهورية.

نصّه الإبداعي توثيق دقيق صادق وأمين لحصار صنعاء، والدور البطولي لتيار الحركة الوطنية (حركة القوميين العرب)، والبعث، والناصريين، والماركسيين والمستقلين.

يترصد الباحث المجد والمجتهد بداية الحصار في 28 نوفمبر. انسحب آخر جندي مصري من الحديدة متزامنًا مع انسحاب آخر مستعمر بريطاني عن مدينة عدن، وتزامن استقلال الجنوب – أيضًا – مع بداية حصار السبعين.

ما إن انسحب الجيش المصري حتى حشدت السعودية – مدعومةً بأميركا وبريطانيا وفرنسا وإيران – مئات وآلاف من المرتزقة اليمنيين والخبراء الفرنسيين بقيادة بوب دينار، والبريطانيين بقيادة ديفيد سمايلي والبلجيك والأميركان.

هرب من صنعاء كبار المسؤولين والضباط باستثناء الفريق حسن العمري، بينما تصدى الضباط الصغار للدفاع عن المدينة المحاصرة، وتشكلت قيادة المقاومة الشعبية، وانخرط الجيش والأمن والمقاومة الشعبية في الدفاع عن صنعاء.

عبر تاريخ طويل كانت صنعاء العاصمة التاريخية الضحية الأولى والمستمرة لهجمات القبائل المغيرة ولحصارها ونهبها.. ربما لم تستطع صنعاء الصمود أمام القبائل الجائحة والجائعة إلا في حالات قليلة ونادرة، وكان أهم وأقوى صمود هو صمود السبعين يومًا بعد أن أصبحت صنعاء مدينة كل اليمنيين.

عبّر النظام الجمهوري عن الإرادة العامة للشعب اليمني، وتكونت قوة عسكرية وأمنية ومقاومة شعبية تُعبّر عن هذه الإرادة، وكان التحشيد المضاد للثورة يمتلك قدرات كبيرة وعشرات ومئات من المرتزقة وتمويلًا ماليًّا سعوديًّا وأميركيًّا كبيرين.

رائعة المناضل الصياد تُعبّر وتُوثّق لهذه المعركة المجيدة في كفاح الشعب اليمني منذ انبلاج فجر الثورتين اليمنيتين:(26 سبتمبر 62، والرابع عشر من أكتوبر 63)

النص السردي يقوم على التحاور وتعدد الأصوات.. الشخصية الرئيسة برهان – الصوفي الآتي من المغرب العربي، والمندغم بالصداقة والتعاطف – حد التأييد – لأبطال المقاومة الشعبية والجيش الوطني – كان أحد رموز هذه الرائعة، وهو –أيضًا – واحد من شهداء الثورة في ميدان التحرير .

السرد يتركز – بالأساس – على غمدان (أحمد الصياد)، ومحبوبته وردة، فكلاهما يرمز للجديد في الثورة اليمنية: موقفًا وقيمًا، وحبًا، وسلوكًا متحررًا، وهما يمثلان العهد الجديد من التفتح والتحرر واشتراك المرأة والشباب في التغيير.

واضح أن بيت الجمهورية هو مقر اللقاءات السرية للقيادة الحزبية التي تقود الكفاح الوطني، وتقود المقاومة الشعبية، وتعمل لفك الحصار.

أبو أروى هو المناضل الباسل عبدالوارث عبدالكريم الذي اختطفه الأمن من مستشفى الكويت، وفرض عليه الاختفاء القسري إلى جانب رفاقه: سلطان أمين القرشي، وعلي مثنى جبران، وعلي خان، وآخرين من قيادات اليسار.

يمزج السارد التصوف الإلهي بالتصوف الثوري.. فبرهان رمز التصوف الإلهي يقترب حد الاندغام والشهادة بالتصوف الثوري الذي تُمثله قيادات الجيش والأمن والمقاومة الشعبية.. ويقينًا، فإن شباب الثورة مثّلوا الطهر الثوري في الزهد وحب الوطن حب الفداء، وكان مصيرهم – في الواقع وفي الرواية – هو الاستشهاد. فغمدان ووردة اختفيا في البحر في البريقة أو صيرة أو حقات أو جولدمور كفعل ذي نواس، أما برهان فقد قتلته قوى الثورة المضادة في ميدان التحرير، وهو يدافع عن بطل حصار السبعين الرائد عبدالرقيب عبدالوهاب، أما أبو أروى عبدالكريم عبدالوارث – أحد قيادات الحزب الديمقراطي الثوري – فقد اختطفه الأمن السياسي، وهو في غرفة العمليات في المستشفى؛ ليغَّيبَ أو يُقتل.. محمد صالح فرحان (قائد سلاح المشاة)، ومحمد مهيوب الوحش من قيادة المظلات، والربيعي، وأحمد عبدالوهاب الآنسي وعشرات ومئات قُتلوا دفاعًا عن الثورة والجمهورية، وقدموا أرواحهم قرابين لحماية صنعاء الثورة.

السارد المبدع صبغ الرواية بالطابع الصوفي، وقد شهدت الأعمال السردية في الآونة الأخيرة احتفاءً بالتصوف ورموز الصوفية.. فسالم حميش، وهو روائي مغربي، كتب روايته «هذا الأندلسي» عن الصوفي ابن سبعين الغافقي، وهو من أبرز القائلين بوحدة الوجود، وكتب السارد السعودي محمد حسن علوان رائعة «موت صغير» عن ابن عربي.. فالتصوف قيمة إنسانية عظيمة، والتراث الصوفي هو أروع وأزهى ما في التراث العربي الإسلامي، بل والإنساني.

يوشي السارد أحمد الصياد رائعته بالاستشهاد بأشعار للشعراء: البردوني، والمقالح، وعبده عثمان، وصالح سحلول، ويوسف الشحاري، ويضفي جوًّا من البهجة الصوفية بالاهتمام بالرقص والموسيقى التي تحتل مساحة في السرد.

النص توثيق لمرحلة من أخطر مراحل الكفاح الوطني، والدكتور السارد واحد من أبناء الثورة المدافعين عنها إلى جانب رفاقه من خريجي الدفعة الثانية من كلية الشرطة؛ فهو يحكي ويسجل وقائع عاشها وشارك في صنعها؛ ولا ينبئك مثل خبير..!

   
 
إعلان

تعليقات